قبل ستة أشهر من الآن، كنت أجلس مكانك تمامًا. كنت أقرأ مقالات مثل هذه، وأشاهد فيديوهات على يوتيوب، وأحلم بتغيير مسيرتي المهنية. كنت أعمل في وظيفة لا علاقة لها بالتكنولوجيا، وظيفة كانت تدفع فواتيري لكنها لم تكن تشعل في داخلي أي شغف. كنت أسمع عن عالم البرمجة المثير، عن الرواتب المرتفعة، والمرونة في العمل، والقدرة على “بناء” أشياء من لا شيء. لكن كلما حاولت أن أبدأ، كان يغمرني شعور هائل بالضياع. من أين أبدأ؟ أي لغة أتعلم؟ هل أنا ذكي بما فيه الكفاية؟
هذا المقال ليس دليلاً نظريًا آخر. هذه هي قصتي الشخصية، الخريطة الدقيقة التي اتبعتها، بالأخطاء والنجاحات واللحظات المحبطة والانتصارات الصغيرة، والتي أخذتني من شخص لا يعرف معنى كلمة <div>
إلى مبرمج مستقل حصل على أول عميل وتقاضى أول دولار له مقابل كتابة الكود. إذا كنت تشعر بالضياع، آمل أن تمنحك قصتي هذه بصيصًا من الأمل وخطة عمل واضحة.
الشهر الأول: قرار البداية وبناء الأساس
كل رحلة عظيمة تبدأ بخطوة واحدة، وخطوتي الأولى كانت اتخاذ قرار حاسم: “سأمنح نفسي 6 أشهر من الالتزام التام لأرى ما إذا كان بإمكاني تحقيق ذلك”.
-
الأسبوع الأول: إزالة الضباب: قضيت الأسبوع الأول في البحث فقط. غرقت في بحر من المعلومات المتضاربة. ثم قررت تبسيط الأمور. اخترت مسارًا واحدًا فقط لأركز عليه: تطوير الواجهة الأمامية (Frontend Web Development). لماذا؟ لأنني شخص بصري، وأردت أن أرى نتائج عملي على الشاشة فورًا. هذا الإحساس بالإنجاز الفوري كان حاسمًا للحفاظ على حماسي.
- الأدوات والمصادر: قررت أن لا أنفق أي مال في البداية. كانت مصادري هي:
- freeCodeCamp: منصة مجانية ومنظمة، وهذا ما احتجته تمامًا كهيكل ومنهج.
- Visual Studio Code: محرر الأكواد الذي يستخدمه الجميع.
- يوتيوب: لأي مفهوم لم أفهمه جيدًا من المصدر الأول.
-
الخطة: كان هدفي لشهر الأول بسيطًا: إكمال قسمي HTML و CSS في freeCodeCamp. الأهم من الهدف كان “النظام” الذي اتبعته: ساعتان من الدراسة والممارسة كل يوم بعد العمل، بدون أي استثناء. الالتزام اليومي، حتى لو كان لوقت قصير، هو السر.
- الشعور: كان مزيجًا من الإثارة المطلقة والإحباط الشديد. كنت أقضي ساعة كاملة أحيانًا فقط لأكتشف أنني نسيت إغلاق وسم (tag) ما، أو لأفهم لماذا لا يريد عنصر ما أن يتوسط الشاشة. لكن الشعور الذي كنت أحصل عليه بعد حل المشكلة كان إدمانيًا.
الشهر الثاني: إضافة التفاعل والتعمق في JavaScript
إذا كان HTML هو الهيكل و CSS هو المظهر، فإن JavaScript هي الروح. هنا بدأ التحدي الحقيقي.
-
الانتقال إلى البرمجة الحقيقية: بدأت قسم JavaScript في freeCodeCamp. المفاهيم كانت أكثر تجريدًا: المتغيرات، الشروط، الحلقات التكرارية، الوظائف. عقلي كان يؤلمني في بعض الأيام، لكنني كنت أرى الضوء في نهاية النفق.
-
أول مشروع “يعمل”: بعد فهم الأساسيات، بنيت أول مشروع تفاعلي لي: آلة حاسبة بسيطة. كانت قبيحة التصميم، وكودها فوضوي، لكنها كانت تعمل! عندما كتبت
2 + 2
وضغطت على “يساوي” وظهر الرقم4
، شعرت بأنني ساحر. فورًا قمت بإنشاء حساب على GitHub ورفعت عليه هذا المشروع المتواضع. لقد كان أول قطعة في معرض أعمالي المستقبلي. -
التحديات والمصادر الإضافية: واجهت صعوبة في فهم بعض المفاهيم المتقدمة قليلاً مثل (Closures) و (Hoisting). هنا لجأت إلى يوتيوب وشاهدت فيديوهات قصيرة تشرح هذه المفاهيم بطرق بصرية، مما ساعد كثيرًا.
الشهر الثالث: بناء المشاريع الصغيرة (الخروج من جحيم الدروس)
في هذه المرحلة، أدركت أنني وقعت في فخ متابعة الدروس التعليمية. كنت جيدًا في اتباع التعليمات، لكن هل يمكنني البناء من الصفر؟ قررت أن أوقف جميع الدروس مؤقتًا وأبني ثلاثة مشاريع بمفردي.
- ثلاثي معرض الأعمال: اخترت ثلاثة مشاريع كلاسيكية للمبتدئين:
- مولّد اقتباسات عشوائية: ينقر المستخدم على زر، فيظهر اقتباس جديد يتم جلبه من واجهة برمجة تطبيقات (API) مجانية.
- تطبيق قائمة مهام (To-Do List): يمكنك إضافة المهام، ووضع علامة عليها كمكتملة، وحذفها.
- صفحة هبوط لشركة خيالية: صفحة ويب جذابة من صفحة واحدة لشركة من نسج خيالي.
- العملية الحقيقية: هذه كانت أهم مرحلة في رحلتي. كنت أبدأ كل مشروع بورقة وقلم، أخطط لما أريد بناءه، ثم أفتح محرر الأكواد الفارغ وأبدأ. كنت أتعثر كل 10 دقائق. سلاحي السري؟ جوجل و Stack Overflow. تعلمت كيف أصيغ أسئلتي، وكيف أقرأ حلول الآخرين وأفهمها لأطبقها على مشكلتي. هنا تعلمت كيف أحل المشكلات، وليس فقط كيف أكتب الكود.
في نهاية الشهر، كان لدي موقع شخصي بسيط (تمت استضافته مجانًا على Netlify) يعرض هذه المشاريع الثلاثة.
الشهر الرابع: التخصص في إطار عمل (Framework)
أدركت أن معظم الوظائف تتطلب معرفة بأحد أطر عمل جافاسكريبت الحديثة. بعد بحث، اخترت React لشعبيتها الكبيرة والطلب المرتفع عليها.
-
منحنى تعلم جديد: تعلم React كان تحديًا جديدًا. مفاهيم مثل المكونات (Components)، الحالة (State)، والخصائص (Props) كانت جديدة تمامًا. هذه المرة، استثمرت مبلغًا صغيرًا (10 دولارات) في دورة highly-rated على منصة Udemy.
-
المشروع: أفضل طريقة لتعلم إطار عمل جديد هي إعادة بناء مشروع قديم باستخدامه. قمت بإعادة بناء “تطبيق قائمة المهام” الخاص بي، ولكن هذه المرة باستخدام React. سمح لي هذا بالتركيز على “طريقة React” في التفكير، لأن منطق التطبيق كان واضحًا لدي بالفعل.
الشهر الخامس: البحث عن العميل الأول - التحضير والتسويق
تحول تركيزي الآن من التعلم إلى التسويق.
- تلميع الواجهة: قمت بتجديد موقعي الشخصي بالكامل ليبدو احترافيًا. كتبت دراسات حالة قصيرة لكل مشروع.
- الانضمام إلى Upwork: أنشأت ملفًا شخصيًا مفصلاً على Upwork. لم أذكر أنني “متعلم”، بل قدمت نفسي كـ “مطور واجهة أمامية متخصص في بناء مواقع سريعة ومتجاوبة باستخدام React”.
- التواصل المحلي: أخبرت كل أصدقائي وأفراد عائلتي أنني بدأت في تقديم خدمات تصميم وتطوير المواقع للشركات الصغيرة.
- جدار الرفض: بدأت في إرسال عروض على Upwork. أرسلت 10، ثم 20 عرضًا. النتيجة؟ صمت تام أو رفض. كان الأمر محبطًا للغاية، لكنني لم أيأس. بدأت أحلل عروضي وأدركت أنها كانت عامة جدًا. تعلمت أن أخصص كل عرض للمشروع المحدد وأن أركز على حل مشكلة العميل.
الشهر السادس: أول دولار والإنجاز الكبير
جاءت الفرصة من حيث لم أتوقع.
- الفرصة: صديق لأحد أقاربي كان قد بدأ مشروعًا صغيرًا لتقديم الطعام المنزلي. كان يعتمد كليًا على صفحة فيسبوك، وكان يحتاج إلى واجهة أكثر احترافية. ميزانيته كانت شبه معدومة.
- العرض: لم أتحدث معه عن React أو CSS. تحدثت لغته. قلت له: “أنت بحاجة إلى موقع بسيط يعرض قائمة طعامك بشكل جذاب، وصور لأطباقك، ونموذج اتصال سهل ليتمكن العملاء الجدد من طلب خدماتك”. عرضت عليه صفحة الهبوط التي بنيتها للشركة الخيالية كنموذج.
- المشروع: اتفقنا على مبلغ رمزي (حوالي 200 دولار) لبناء موقع من صفحة واحدة. لم يكن المال هو الهدف.
- التجربة: كانت مرعبة ومثيرة في نفس الوقت. كنت أتعامل مع شخص حقيقي لديه توقعات. كنت أرسل له تحديثات منتظمة. واجهت مشاكل لم أواجهها من قبل. وفي النها-ية، سلمت المشروع في الوقت المحدد، وكان سعيدًا جدًا بالنتيجة.
- الشعور: لحظة وصول أول دفعة مالية إلى حسابي كانت لحظة لن أنساها ما حييت. لم تكن مجرد 200 دولار. كانت إثباتًا. إثباتًا على أنني أستطيع تعلم مهارة قيّمة من الصفر بنفسي، واستخدامها لخلق قيمة حقيقية لشخص آخر، والحصول على مقابل مادي لذلك.
الخلاصة
قصتي ليست فريدة من نوعها. سر النجاح لم يكن العبقرية، بل كان مزيجًا من ثلاثة أشياء: الاستمرارية (ساعتان كل يوم)، التعلم القائم على المشاريع (توقف عن المشاهدة وابدأ بالبناء)، والمثابرة (لا تدع الرفض يوقفك).
إذا كنت تقرأ هذا الآن وتشعر بنفس الضياع الذي شعرت به، فاعلم أن الطريق أمامك واضح. رحلتك من الصفر إلى أول دولار تبدأ اليوم. ابدأ صغيرًا، كن منتظمًا، ولا تتوقف عن البناء أبدًا.