مرحبًا بكم، معكم حمزة سالم. في هذا المقال، سأطرح وجهة نظري حول اختيار التخصصات الجامعية في مجال تقنية المعلومات. سابقًا، تحدثت في مقالين منفصلين عن الفرق بين علم الحاسوب، وهندسة البرمجيات، وهندسة الحاسوب. وعند الاطلاع على التعليقات، ستجد استفسارات عن كل أنواع التخصصات الأخرى مثل الشبكات، ونظم المعلومات، وغيرها. يتساءل الكثيرون: “ما رأيك في هذا التخصص؟” و”ماذا عن ذاك؟”. اليوم، أود أن أشرح لكم الفكرة العامة، ثم ندخل في بعض التفاصيل. سأجعلك تكتشف بنفسك ما هو التخصص الذي قد يناسبك، خاصة وأن كل هذه التخصصات تندرج تحت مظلة واحدة.
أتذكر عندما التحقت بكلية الهندسة التكنولوجية، فرع جامعة البلقاء التطبيقية للهندسة. في وقتنا، كانت الجامعة مخصصة للمهندسين فقط، ولاحقًا تم افتتاح تخصصات أخرى. كانت التخصصات الهندسية المتاحة تشمل الميكانيك، والهندسة المدنية، والإلكترونية، والكهربائية، وهندسة الحاسوب، بالإضافة إلى تخصص الشبكات الذي كان حديثًا آنذاك. كل تخصص هو عبارة عن قسم قائم بذاته.
كيف تؤسس الجامعات التخصصات؟
لفهم الصورة كاملة، من المهم معرفة كيف تؤسس الجامعات وتفتح التخصصات الجديدة. هذا الفهم سيساعدك على تقييم جدوى الالتحاق بتخصص مثل الذكاء الاصطناعي في جامعة افتتحته حديثًا.
تطرح الجامعات في كل البلدان تخصصات بناءً على مؤهلاتها. لا يمكن لجامعة أن تدّعي قدرتها على تدريس علم معين دون وجود متخصصين فيه ضمن هيئتها التدريسية. فمثلًا، إذا أرادت جامعة تدريس الذكاء الاصطناعي، يجب أن يكون لديها عدد معين من المتخصصين في هذا المجال، سواء ثلاثة أو خمسة أو عشرة. إذن، أي جامعة في العالم ترغب في طرح تخصص جديد يجب أن تمتلك الكوادر المؤهلة لتدريسه.
بناءً على ذلك، يمكننا الحكم على جودة التعليم في أي جامعة من خلال معرفة من يقوم بالتدريس فيها. فلا ينبغي لأحد أن يقول إن هذه الجامعة أفضل من تلك بشكل مطلق، فالعلم واضح ومحدد. سأتحدث لاحقًا عن موضوع الشهادة والمعرفة، ولكن ما دمنا قد فهمنا هذه النقطة، يمكننا الآن اختيار الدرجة العلمية بناءً على من سيقوم بتدريسنا، خاصة في التخصصات الجديدة.
هناك تخصصات قديمة جدًا حصلت الجامعة على ترخيص تدريسها منذ زمن بعيد، وأصبح تدريسها أمرًا روتينيًا. تخيل أنني درست في جامعتين، إحداهما عمرها 150 عامًا والأخرى 16 عامًا. من الطبيعي أن خبرة الجامعة التي يبلغ عمرها 16 عامًا ليست كخبرة الجامعة التي تبلغ 150 عامًا، والتي قامت بتخريج طلاب في نفس التخصص مرات لا تحصى. هناك اختلاف كامل في طريقة تفكير كل جامعة.
الدرجة العلمية مقابل المعرفة
لنعد إلى النقطة الرئيسية: يمكنني الحكم على التخصصات بناءً على من يدرسها. ولكن لماذا نذهب إلى الجامعة أصلًا؟ الجامعة تقدم شيئين أساسيين: الدرجة العلمية (Degree) والمعرفة (Knowledge).
أي جامعة تلتحق بها ستقدم لك هذين الأمرين. من المفترض أن تمنحك الجامعة كليهما، ولكن كحد أدنى، ستمنحك الدرجة العلمية، لأن هذا هو السبب الرئيسي الذي التحقت من أجله، والكثيرون يلتحقون بالجامعات من أجل هذه الدرجة.
أما المعرفة، فيمكنك الحصول عليها داخل الجامعة أو خارجها. لنتفق على هذه المعلومة. قد لا تحصل على كل المعرفة داخل الجامعة، بل قد تأخذ رؤوس أقلام تساعدك على اكتسابها لاحقًا. وقد تحصل على المعرفة الحقيقية من الجامعة نفسها.
وهذا ما كنت أقوله دائمًا:
- لو عاد بي الزمن، لاخترت الجامعة الأسهل من حيث الامتحانات والإجراءات، والتي تكون متعاونة في موضوع الدراسة عن بعد.
- لاخترت التخصص الذي يمكنني إنهاؤه في أسرع وقت ممكن.
أنا أتحدث عن نفسي، حمزة، الذي لديه خطة واضحة لما بعد التخرج. بعد ذلك، كنت سأقوم بالآتي:
- تحليل الخطة الدراسية: الحصول على الخطة الدراسية الرسمية من الجامعة.
- مقارنة عالمية: البحث عن جامعات مرموقة حول العالم تقدم نفس التخصص.
- تحديد المواد الأساسية: الحصول على خططها الدراسية ومقارنتها لتحديد المواد المشتركة والأساسية، والمواد الفرعية التي قد تفيدني.
خطط الجامعات الكبرى متاحة للجميع، بل وحتى مقرراتها الدراسية متوفرة على الإنترنت. جامعات مثل ستانفورد وهارفارد تتيح مقرراتها مجانًا، مع تسجيلات مرئية وحلول للواجبات والكتب. أصبحت المعرفة متاحة للجميع، ولم تعد حكرًا على تخصص معين أو جامعة معينة.
هناك جامعات تلتحق بها لسمعتها. على سبيل المثال، جامعة ستانفورد تتطلب منك تحقيق إنجازات كبيرة قبل سن 18 عامًا للقبول فيها. أحيانًا، يتم قبول بعض الأشخاص بناءً على خلفياتهم، مثل أبناء الرؤساء. عندما تلتحق بجامعة كهذه، فإن الدرجة العلمية بحد ذاتها تعتبر إنجازًا كبيرًا، خاصة في بلادنا التي تعطي أهمية كبيرة لشهادات من جامعات مثل هارفارد، معتقدين أن خريجها هو الأفضل. هذا ليس صحيحًا بالضرورة، فالاحتمالية موجودة لكنها ليست ضمانًا.
تجربتي الشخصية
عندما دخلت كلية الهندسة التكنولوجية، لاحظت أننا في السنة الأولى ندرس جميعًا نفس المواد، بغض النظر عن تخصصنا الهندسي. في نهاية السنة، بدأ زملاؤنا في هندسة الميكانيك يأخذون مسارات مختلفة. وفي السنة الثانية، بدأ زملاؤنا في هندسة الكهرباء يدرسون مواد مختلفة عنا.
كنت أفكر مع نفسي: لو أنني سجلت 18 ساعة دراسية من المواد المشتركة مع مهندسي الكهرباء، وحضرت محاضراتهم، ودرست موادهم، لاجتزت السنة الثانية وكأنني طالب في هندسة الكهرباء. كان بإمكاني الاستمرار على هذا المنوال حتى السنة الثالثة والرابعة، وأكون قد درست هندسة الكهرباء فعليًا إلى جانب تخصصي.
هنا بدأت أفكر: لماذا الجامعة موجودة؟ ولماذا يمكنني فعل ذلك؟ أدركت أنني داخل الجامعة أدرس هندسة الحاسوب، ولكن يمكنني دراسة هندسة الكهرباء في نفس الوقت. حتى أنني كنت أحقق علامات جيدة في مواد الكهرباء دون دراسة مكثفة. عندما رأيت هذا، أدركت أن فكرة التخصص بحد ذاتها ليست هي الغاية. لست مضطرًا للتواجد في مكان معين لأخذ العلم من شخص معين. العلم يمكن تحصيله من أي مكان. أنا هنا من أجل الدرجة العلمية، التي تحمل مسمى “هندسة الحاسوب”.
جوهر تخصصات تقنية المعلومات
وهذا يحل معضلة تخصصات تقنية المعلومات. إنها مجرد مسميات. الأسوأ من ذلك، أن تخصصات مثل هندسة الحاسوب، وعلم الحاسوب، وهندسة البرمجيات، والشبكات، وغيرها، تتشابه إلى حد كبير في أول سنتين ونصف أو ثلاث سنوات.
قد تتساءل: “هل هذا صحيح حقًا؟” الإجابة ببساطة هي نعم.
ما هو دورك كطالب؟
ما هو دورك وأنت تلتحق بهندسة الحاسوب أو هندسة البرمجيات أو أي تخصص آخر في عمر 18 عامًا، دون فهم كامل، وربما مدفوعًا من المجتمع نحو لقب “مهندس”؟
- اعرف تخصصك: يجب أن تكون على دراية كاملة بخطتك الدراسية.
- اطلع على الخطط الأخرى: انظر إلى ما يدرسه الطلاب في التخصصات الأخرى.
- ابحث عن متطلبات سوق العمل: هذا ما فعلته في سنتي الأخيرة. قمت بدراسة استقصائية بين الخريجين الذين يكبرونني بسنة واحدة، وسألتهم عن طبيعة عملهم. بناءً على إجاباتهم، رسمت خطة لما سأدرسه في سنتي الأخيرة.
قد تقول: “لم يعلمنا أحد هذا”. لكن مصادر المعرفة مثل يوتيوب متاحة للجميع، وها أنا أتحدث الآن لكي تقرأ هذا الكلام يومًا ما وتستفيد منه. يسعدني جدًا عندما يخبرني أحدهم أنه شاهد لي مقالًا وأعطاه نظرة مختلفة، لأن أغلب منشئي المحتوى يقدمون نصوصًا جاهزة ومكررة دون أصالة. أحاول قدر الإمكان أن أقدم لك شيئًا يجعلك تفكر.
خلاصة القول
تخصصات تقنية المعلومات الحالية والمستقبلية هي حزمة واحدة. أنت تدرس نفس المواد لمدة سنتين ونصف تقريبًا مثل أي طالب آخر في تخصص تقني مجاور. الفروقات البسيطة في المواد لن تجعلك أذكى من غيرك. الكثيرون درسوا علم الحاسوب وأصبحوا أفضل من المهندسين، وآخرون درسوا هندسة البرمجيات وتفوقوا على غيرهم.
النقطة التي ننطلق منها هي أن هذه التخصصات هي مجرد درجة علمية. أما المعرفة التي ستحصل عليها، فهذا يعود إليك. يمكنك اختيار الطريقة التقليدية والالتزام بالفصول الدراسية، أو يمكنك البحث عن الطريقة المثلى لك لاكتساب هذه المعرفة.
هذا السؤال حول “من الأفضل” هو في النهاية عبارة عن مخزون معرفي مشترك لمدة سنتين ونصف، مع تغييرات طفيفة في السنة ونصف الأخيرة. هذا هو واقع أغلب التخصصات.
قد تقول: “لكنك انتقدت هندسة الحاسوب في مقال سابق”. لأكون مسؤولًا عن كلامي، عندما تحدثت عن هندسة الحاسوب، كنت أتحدث عن تجربتي الشخصية. دخلت التخصص تحت ضغط، وهذا كان خطأ. والأهم من ذلك، أنني لم أفكر في الخطوة التالية. في البداية، كنت أعتقد أن مهندس الحاسوب يعمل في العتاد والبرمجيات، لكنني اكتشفت في النهاية أنني لم أستفد من الكثير من المواد التي درستها، وكان بإمكاني تجنبها لو درست هندسة البرمجيات.
مرة أخرى، أنا لا أقول لك أن تختار تخصصًا معينًا. المعرفة التي اكتسبتها في العتاد ساعدتني كثيرًا، ولكن بعد خمس أو عشر سنوات من العمل في البرمجيات. كان بإمكاني اكتساب هذه المعرفة من مكان آخر، فالعلم موجود في كل مكان.
ما أود أن أختم به هو: إذا كنت ما زلت تسأل هذا السؤال، فآمل أن يكون هذا المقال قد أعطاك شيئًا لتفكر فيه. لم أقدم لك طريقًا واضحًا لتصبح مليونيرًا، بل قدمت لك رأيي ونقاطًا للتفكير فيها. دون ملاحظاتك، وفكر، ثم انظر ما الذي يناسبك وأين يمكنك أن تتطور.