في هذا المقال، سنتحدث عن تعلم البرمجة، وسنغطي موضوعات مثل التعلم في الجامعة، والتعلم الذاتي، ومصادر التعلم، ولغات البرمجة، ومن أي لغة يجب أن نبدأ، بالإضافة إلى مجتمعات المبرمجين ومواضيع أخرى متعلقة بتعلم البرمجة.
هل يمكن تعلم البرمجة في الجامعة؟
في كليات الحاسوب والهندسة المتعلقة بالحاسوب، هل يتم تعليم البرمجة بشكل فعال؟ بالتأكيد، تمنح الجامعات الطالب المبادئ الأساسية، حتى لو كانت قديمة نوعًا ما وقد لا تكون ضرورية جدًا في رحلته البرمجية. لكنها تظل مبادئ أساسية ومفيدة. من المفيد أن يتعلم الطالب مفاهيم مثل هياكل البيانات (Data Structures)، فهذه المواضيع تساعده كثيرًا.
ولكن، نجد في الجامعة أنهم يقدمون درسًا عن لغة بايثون لمدة فصل دراسي يمتد لـ 13 أسبوعًا، ثم درسًا آخر في فصل تالٍ عن لغة C، ودرسًا عن C++. يبدو الأمر وكأنهم يقطفون من كل بستان زهرة، دون أن يوصلوا الطالب إلى مرحلة يستطيع فيها بناء منتج حقيقي.
مع ذلك، أعتقد أن هذه المبادئ الأساسية ضرورية جدًا، حتى لو كانت عبر دورات متفرقة في لغات متعددة. أن يأخذ المبتدئ نظرة عامة على كل هذه اللغات هو أمر مفيد للغاية، بشرط ألا يفقد شغفه ويستمر. المعلومات التي يكتسبها مفيدة بلا شك. ولكن إذا كان هدفك هو الوصول إلى منتج حقيقي بأسرع وقت ممكن لرؤية نتائج عملك والحفاظ على شغفك، فهذه الطريقة قد لا تكون الأنسب.
غالبية الأشخاص الذين ينجحون في مجال التطوير يكون لديهم فكرة محددة يسعون لتنفيذها، ولا يفكرون كثيرًا في الأدوات التي يجب استخدامها. من تجربتي الشخصية، هؤلاء هم الأشخاص الذين نجحوا وتقدموا بشكل كبير. أما من يحاول أن يصبح “ملك لغات البرمجة” أو “خبير أنظمة التشغيل” أو “وحش الخوارزميات”، فغالبًا ما ينتهي به الأمر دون أن يتعلم شيئًا، ويبقى يدور في حلقة مفرغة: يتعلم شيئًا، ثم ينساه عندما يبدأ في تعلم شيء جديد.
هل الشهادة الجامعية مفيدة؟
بالطبع، تفيد الشهادة الجامعية عند التقديم للوظائف في شركات البرمجة. حتى لو كان حامل الشهادة لا يمتلك خبرة عملية في التطوير، فإن مسؤول التوظيف يدرك أن هذا الشخص يمتلك الحد الأدنى من المعرفة. فالشهادة تضمن أن الشخص لديه أساس معين، وهذا يعطيه دفعة قوية للوصول إلى مرحلة المقابلة.
حتى الشركات الكبرى التي تصرح بأنها لم تعد تنظر إلى الشهادة الجامعية، لا تزال الفرص أكبر بكثير لمن يحمل شهادة في مجال الحاسوب. تساعدك الشهادة على الوصول إلى المقابلة، ولكن بمجرد وصولك، لن يسألك أحد عنها أو عن معدلك. في هذه المرحلة، تصبح مهاراتك في التواصل، وطريقة عرضك للمعلومات، وقدرتك على إظهار فهمك لمتطلباتهم هي الأهم.
تقييم الدراسة الجامعية
في الجامعة، قد تتعلم كيفية بناء مترجم (Compiler) من الصفر. ربما 90% من الوقت لن تطبق هذا الدرس في أي وظيفة مستقبلية، ولكنه سيساعدك حتمًا على فهم كيفية كتابة كود مُحسَّن (Optimized) ليترجمه المترجم بأفضل طريقة ممكنة.
كذلك، عند دراسة هياكل البيانات، تتعلم الفروق بين المصفوفة (Array) ومجموعة البيانات (DataSet) والقائمة المترابطة (Linked List). ورغم أنك قد تستخدم المصفوفات العادية في معظم الأوقات، فإن وجود هذه الأدوات في ذهنك يساعدك على اختيار الحل الصحيح للمشكلة التي تواجهك.
هناك مقولة شهيرة: “إذا كان كل ما تملكه هو مطرقة، فكل مشكلة ستبدو لك كمسمار”. نفس المبدأ ينطبق هنا. عندما تكون أدواتك محدودة، قد تحاول حل مشكلة تتطلب بنية شجرية (Tree) باستخدام مصفوفة، وقد تنجح، لكن الحل لن يكون مثاليًا.
الجامعة تجبرك على الاستمرار، وهذا أمر جيد للحفاظ على الدافع. إذا تخرجت وما زلت تحتفظ بشغفك، فالمعلومات التي اكتسبتها لن تضيع سدى. لكنها تظل معلومات متفرقة وغير كافية لبناء مشروع كامل بمفردك.
التعلم الذاتي
التعلم الذاتي يمكن أن يعطيك نتائج أسرع، خاصة إذا كان لديك فكرة تسعى لتنفيذها. هذه الطريقة تعتمد على البدء من الصفر والبحث عن حلول باستخدام محركات البحث مثل جوجل أو أدوات الذكاء الاصطناعي. تأخذ قالبًا صغيرًا، تجربه، تبحث عن حلول للمشاكل التي تظهر، وتكرر هذه الدورة. مع كل تكرار، يتم بناء منتج.
هذا المنتج قد يكون عشوائيًا بعض الشيء لأنه مأخوذ من مصادر متعددة، وقد تواجه صعوبات في تطويره مستقبلًا. ولكنه كنموذج أولي (Prototype) يكون كافيًا جدًا، والهدف الأساسي هو التعلم أثناء بناء المشروع.
مشكلة التعلم الذاتي أنه يحتاج إلى انضباط ذاتي. ما يساعد على ذلك هو وجود فكرة تعمل عليها ورؤية النتائج بشكل فوري، مما يعطيك دافعًا للاستمرار.
التعلم عبر الدورات (الكورسات)
هناك طريقة أخرى للتعلم الذاتي، وهي متابعة الدورات التعليمية وتقليد ما يفعله المحاضر خطوة بخطوة. هذه الطريقة قد تكون فاشلة إذا لم يكن لديك انضباط عالٍ. كثير من الناس يشترون 10 أو 15 دورة على منصات مثل Udemy، يشاهدون نصف ساعة من كل دورة ثم يتركونها.
هذه الطريقة قد تكون مفيدة للمبرمجين المتقدمين الذين يسعون لتطوير مهاراتهم في تقنية جديدة بهدف معين، مثل تطبيقها في شركتهم أو الحصول على ترقية. أما بالنسبة للمبتدئين، فقد لا تكون فعالة دائمًا.
ومع ذلك، يمكن أن تكون الدورات التي تركز على بناء مشروع كامل مفيدة جدًا للمبتدئين، حيث أنها تشبه التعلم القائم على المشاريع، مع ميزة إضافية وهي وجود شرح مفصل لكل خطوة.
التحدي الأكبر: الاستمرارية
في النهاية، سواء اخترت الجامعة، أو التعلم الذاتي، أو الدورات، فإن العامل الأهم هو الاستمرارية. كل الناس يعرفون الطريق الصحيح، لكن قلة منهم فقط تلتزم به. الشخص الذي يستمر هو من ينجح، بينما الآخرون يجدون أعذارًا لأنفسهم.
نصائح للحفاظ على الاستمرارية:
- التغذية الراجعة (Feedback): عندما ترى الناس يتفاعلون مع ما تصنعه، سواء بتعليقات شكر أو اقتراحات لتحسينه، فإن هذا يعطيك دافعًا كبيرًا للاستمرار.
- التعلم ضمن مجموعة: وجود أشخاص يشاركونك نفس الهدف يساعد كثيرًا. يمكنكم دعم بعضكم البعض عندما يفقد أحدكم الحافز.
- ابدأ بخطوات صغيرة: حتى لو لم تكن لديك رغبة في العمل، جرب أن تفتح محرر الأكواد أو المادة التعليمية لمدة خمس دقائق فقط. بمجرد أن تبدأ، ستجد نفسك قد اندمجت واستمررت لساعة أو أكثر.
مجتمعات المبرمجين
الدورات المباشرة (وجهًا لوجه)
إذا توفرت لك فرصة لحضور دورة تدريبية مباشرة، فهذا هو الخيار الأفضل على الإطلاق. إنه أفضل من الجامعة والتعلم الذاتي. وجودك مع مجموعة من الطلاب الذين يعملون على نفس المشاريع يزيل مشكلة الحافز، ويجبرك على الالتزام. كما أن وجود مدرب يوجهك ويوفر لك المادة التعليمية يحل الكثير من المشاكل.
المجتمعات عبر الإنترنت
- Stack Overflow: كمبتدئ، ابتعد عنه قدر الإمكان. المجتمع هناك قد يكون قاسيًا جدًا، وقد يدمر شغفك بالتعلم. مهمة الموقع ليست تعليم المبتدئين، بل توفير حلول لمشاكل شائعة ومتكررة.
- GitHub: هو مجتمع للمطورين الذين يعملون بالفعل، وليس للمبتدئين الذين يحاولون التعلم. لكنه مكان ممتاز لبناء ملف شخصي (Profile) قوي، خاصة إذا كنت مهتمًا بالعمل في مجال المصادر المفتوحة (Open Source).
- Discord/Telegram/Slack: قوة هذه المجموعات تعتمد على نشاط أعضائها. إذا كان المجتمع نشطًا والأعضاء متعاونين، يمكن أن تكون مفيدة جدًا.
- LinkedIn: ليس مكانًا للتعلم. المحتوى عليه غالبًا ما يكون نصائح سطحية تهدف إلى الترويج الذاتي أكثر من تقديم فائدة حقيقية. ابتعد عن كل شخص يقدم لك “أفضل طريقة لتصبح مثلي”.
مصادر التعلم
مواقع التحديات (Challenges)
مواقع مثل Codewars وغيرها مصممة لإعادة الشغف للمطورين الذين فقدوه بسبب روتين العمل. هذه التحديات تركز على الجانب الهندسي الممتع في البرمجة، وتعتمد غالبًا على استخدام خوارزميات وهياكل بيانات معينة. هي ليست مناسبة للمبتدئين.
منصات الدورات التعليمية
- Udemy/Coursera: منصات تحتوي على كم هائل من المحتوى. Udemy يسمح لأي شخص برفع محتوى، لذا جودة الدورات متفاوتة.
- Udacity: يقدم دورات عالية الجودة من الناحية الإنتاجية، والدروس محضرة بشكل جيد. تجربة التعلم عليه قد تكون إيجابية جدًا، خاصة في مواضيع معينة مثل دورة Git وGitHub التي تقدم فهمًا عميقًا للمفاهيم الأساسية.
من أي لغة برمجة أبدأ؟
ابتعد عن النصائح التي تفرض عليك لغة معينة. لا يوجد طريق واحد صحيح.
- الرأي الأول: ابدأ بـ C/C++: يزعم أصحاب هذا الرأي أنك ستتعلم المبادئ الأساسية واللغات منخفضة المستوى. لكن هذا قد يكون محبطًا جدًا للمبتدئين.
- الرأي الثاني: ابدأ بـ Python: يقال إنها لغة سهلة التعلم. لكنها ليست بالضرورة أسهل من غيرها، ومفهوم المسافات البادئة لتحديد النطاق (Scope) قد يكون مربكًا جدًا للمبتدئين.
- الرأي الثالث: ابدأ بـ JavaScript: حجتها أنك لا تحتاج إلى إعدادات معقدة، ويمكنك البدء مباشرة في المتصفح.
النصيحة الأفضل: لا تبدأ من أداة، بل ابدأ من فكرة. فكر في الشيء الذي تحب أن تصنعه.
- هل تحب الألعاب؟ ابدأ بمحرك ألعاب مثل Unity. تعلم كيفية استخدامه، وعندما تحتاج إلى كتابة كود، ستتعلم لغة C# التي يستخدمها.
- هل تريد بناء موقع ويب؟ تعلم HTML, CSS, و JavaScript.
- هل تريد بناء تطبيق موبايل؟ ابحث في تقنيات مثل Kotlin (للأندرويد الأصلي)، Swift (لـ iOS)، أو أطر عمل متعددة المنصات مثل Flutter أو React Native.
عندما تبدأ من فكرة، ستكون الأدوات مجرد وسيلة لتحقيق هدفك، وهذا سيحافظ على حافزك ويجعلك تستمر في التعلم. هذه هي الطريقة التي تنجح مع معظم الناس وتوصلهم إلى المكان الذي يحبون أن يكونوا فيه.