في رحلتي وأنا أتعلم البرمجة، مررت بمراحل كثيرة جدًا؛ مراحل حماس، ومراحل يأس وإحباط، ومراحل كنت أعتقد فيها أنه لا يوجد مبرمج مثلي وأنني الأفضل على الإطلاق، ومراحل كنت مقتنعًا فيها بأنني لا أفهم شيئًا. حرفيًا، كنت متقلبًا تمامًا. والآن بعد أن تقدمت في العمر ونضجت، أدركت أنني لست وحدي من يمر بهذه التجارب، فكلنا نمر بها. أي شخص يتعلم شيئًا جديدًا عليه، ليس فقط البرمجة، يمر بنفس المراحل وبنفس الترتيب. لذلك، أنا هنا اليوم في هذا المقال لأخبرك عن طبيعة كل مرحلة، وكيف تتغلب عليها وتخرج منها بأقصى استفادة دون أن تتوقف في منتصف الطريق.
دعنا نتحدث مباشرة عن كل مرحلة، ماذا يحدث فيها، وكيف تخرج منها بأقصى استفادة.
المرحلة الأولى: البحث والاستقصاء
أُسمي هذه المرحلة “مرحلة المحقق كونان”. تكون لا تزال جديدًا على عالم البرمجة، وتسمع من الكثير من الناس أن البرمجة مجال جيد وله مستقبل، فتتحمس وتقرر أن تدخل هذا المجال. فجأة، يتحول خطك الزمني بالكامل إلى دورات برمجة، إعلانات لمنصات تعليمية، ومجموعات مليئة بأشخاص يتحدثون عن البرمجة. تبدأ في متابعة صُنّاع المحتوى الذين يتحدثون عن المجال، وكل واحد منهم يقول رأيًا مختلفًا عن الآخر. يظهر لديك سؤال خطير جدًا وهو: “ما هو أفضل مصدر أتعلم منه؟”. تجد نفسك تقارن بين دورة وأخرى، وتتساءل هل تتعلم لغة معينة أم أخرى. وبدلًا من أن تبدأ التعلم بشكل فعلي، تدخل في دائرة لا نهائية من البحث والاستقصاء. المشكلة هنا أنك تتوه في المقارنات وتضيع وقتك في اختيار المصدر المثالي، الذي هو في الحقيقة غير موجود.
كيف تتعامل مع هذه المرحلة؟
- أدرك أن فكرة “أفضل مصدر” مضللة: المصادر التعليمية، سواء كانت كتبًا أو دورات أو مقالات، كلها أدوات تساعدك على التعلم. لا يوجد شيء يسمى “أفضل مصدر” لأن كل شخص لديه أسلوب تعلم مختلف.
- ابدأ والتزم: ابدأ بأي مصدر موثوق والتزم به بدلًا من إضاعة وقتك في البحث.
- حدد وقتًا للبحث: ضع لنفسك مهلة زمنية للبحث، على سبيل المثال، 24 ساعة فقط لاختيار المصدر، وبعدها ابدأ على الفور.
المرحلة الثانية: فترة شهر العسل (حلاوة البدايات)
هذه هي المرحلة التي تشعر فيها بأنك على قمة الهرم. بمجرد أن تبدأ فعليًا في تعلم البرمجة، يكون كل شيء جديد ممتعًا، وكل معلومة جديدة تشعر أنها إنجاز. تفتح الدورة التعليمية أو الكتاب بحماس شديد وتجلس لساعات تتعلم. في الأيام القليلة الأولى، تتباهى بأول برنامج قمت بإنشائه، والذي غالبًا ما يكون برنامج “Hello, World!”.
# مثال على برنامج "Hello, World!" بلغة بايثون
print("Hello, World!")
تشعر أنك أخيرًا وجدت شغفك وأنك ستصبح مبرمجًا عالميًا. لكن المشكلة أن هذه المرحلة قصيرة جدًا، وشهر العسل دائمًا له نهاية. بمجرد أن تواجه صعوبة حقيقية، يتبخر الحماس.
كيف تتعامل مع هذه المرحلة؟
- افهم أن الحماس مؤقت: ما سيجعلك تستمر هو الانضباط والعادة، وليس الحماس وحده.
- أنشئ جدولًا والتزم به: ضع جدولًا ثابتًا للتعلم والتزم به يوميًا، حتى لو كان لنصف ساعة فقط.
- لا تتسرع: لا تعتقد أنك أصبحت محترفًا لمجرد أنك فهمت بعض الأساسيات.
المرحلة الثالثة: وهم المعرفة
بعد أن تتجاوز مرحلة شهر العسل وتستمر بحماس في دورتك التعليمية، تشعر أنك تفهم كل شيء. تتنقل بسرعة بين الدروس، تحل التمارين بسهولة، وتشعر أنك وصلت إلى مستوى جيد. في هذه اللحظة، تقع في فخ نفسي يسمى “تأثير دانينغ-كروجر”، وهو ظاهرة نفسية تجعل المبتدئين يبالغون في تقدير معرفتهم.
كيف تتعامل مع هذه المرحلة؟
- كن واعيًا: اعلم أن “وهم المعرفة” هذا أمر طبيعي ويمر به الجميع.
- اخرج من منطقة الراحة: ابدأ بالعمل على مشاريع بسيطة من ابتكارك الخاص.
- اختبر فهمك بالشرح: حاول أن تشرح ما تعلمته لشخص آخر. إذا لم تكن قادرًا على شرحه ببساطة، فغالبًا أنت لا تستوعبه تمامًا.
- تقدم بهدوء: لا تستعجل في رحلة التعلم.
المرحلة الرابعة: اليأس والإحباط
بعد الحماس والثقة الزائدة، تصل إلى المرحلة التي تشعر فيها أنك غير قادر على الاستمرار. فجأة، يصبح كل شيء صعبًا، والأسئلة التي كنت تحلها بسهولة أصبحت معقدة، وتشعر أنك تائه.
كيف تتعامل مع هذه المرحلة؟
- تقبل الإحباط: افهم أن الإحباط طبيعي ويمر به الجميع. الفشل جزء أساسي من رحلة البرمجة، وتقبل أنك ستفشل أكثر مما ستنجح.
- غيّر طريقة تعلمك: إذا وجدت نفسك لا تستوعب، جرب العمل على مشاريع، قراءة مقالات، أو حتى البحث عن مرشد (mentor).
- توقف عن المقارنة: لا تقارن نفسك بأحد آخر. قارن نفسك اليوم بنفسك بالأمس.
- خذ استراحة: خذ استراحة قصيرة لاستعادة نشاطك، ولكن لا تطلها حتى لا تفقد الزخم.
- تذكر هدفك: ارجع إلى السبب الأساسي الذي جعلك تبدأ. اكتب هدفك أمامك واقرأه عندما تشعر بالإحباط.
المرحلة الخامسة: الاستمرارية والثبات
بعد أن تتجاوز مرحلة اليأس والإحباط وتستمر في التعلم، تصل أخيرًا إلى مرحلة تبدأ فيها بفهم الأمور بعمق أكبر. هذه هي مرحلة الثبات التي يبدأ فيها النمو الحقيقي.