ماك أم ويندوز أم لينكس؟ هو السؤال الأكثر تكرارًا بعد السؤال الأشهر على الإطلاق في عالم البرمجة: “بايثون أم سي بلس بلس؟”. اختيار نظام التشغيل الذي ستعمل عليه خطوة مهمة لا شك فيها. ولكن، أي نظام تشغيل تختار؟ وأيها سيكون الأنسب لك، ولماذا؟ وما الذي قد يفوتك إذا اخترت نظامًا وتركت الآخر؟ وأي نظام تشغيل هو الأنسب للبرمجة؟ هذا مقال مهم جدًا، فلنبدأ.
أهلاً بكم في مقال جديد. أنا شخصيًا استخدمت كل أنظمة التشغيل وتعاملت معها في أوقات مختلفة من حياتي. كل واحد منها أعطاني شيئًا لم يستطع الآخر توفيره، وهناك أشياء أيضًا فقدتها في أنظمة كانت موجودة في أنظمة أخرى. ولكن ما استخلصته من رحلتي مع أنظمة التشغيل كمبرمج هو أنني لا أتذكر مرةً أنني تعطلت بسبب نظام التشغيل الخاص بي أو أنه سبب لي عقبة في شيء ما خلال استخدامي كشخص يعمل في مجال تطوير الويب. نعم، كانت هناك أشياء أخرى قد تعطلني في نظام التشغيل، لكنها أمور ليس لها علاقة بالنظام نفسه من حيث توافقه مع البرمجة، ولكن قد تكون عيوبًا مثل عدم استقرار النظام في بعض الأحيان أو كونه ثقيلًا. ولكن عندما نضع هذه الأمور جانبًا، نجد أن الأمر عادي ويعمل بشكل جيد.
لمن لا يعرف، لدينا ثلاثة أنظمة تشغيل مشهورة يستخدمها الجميع تقريبًا، وهي: لينكس، وماك، وويندوز. بالطبع، لينكس نفسه ليس نظام تشغيل، بل هو النواة التي بُنيت عليها التوزيعات المختلفة، وقد أعددنا مقالًا عنه بالكامل ستجده في هذا المنشور. ولكن بشكل مبدئي، نحن نتحدث عن ماك، ولينكس، وويندوز.
نظام ويندوز (Windows)
ويندوز هو نظام تشغيل حصري ومغلق المصدر تطوره شركة مايكروسوفت. ظهر لأول مرة في الثمانينيات ليكون الواجهة الرسومية لنظام MS-DOS
الذي كان الأشهر في ذلك الوقت، والذي كان عبارة عن شاشة سوداء تكتب فيها الأوامر التي تريد من الحاسوب تنفيذها. بالمناسبة، ويندوز هو أشهر نظام تشغيل في العالم من حيث الاستخدام بنسبة تتجاوز 70%.
من وجهة نظري، ويندوز ليس أسهل نظام تشغيل في الاستخدام، ولكن بسبب أننا نستخدمه كثيرًا منذ صغرنا، وأظن أنك مثلي كان أول ما تعاملت معه على حاسوب المدرسة هو ويندوز، فبسبب انتشاره الواسع ووجود نوع من الألفة بيننا وبينه، أصبحنا قادرين على التعامل معه بسهولة دون أن نشعر بوجود أي مشكلة. وبسبب أنه الأكثر انتشارًا، ستجد أن أي شيء تريد فعله عليه موجود ومدعوم بنسبة 99.9%، فلن تواجه مشاكل معه من ناحية الاستخدام.
لكن مشكلة ويندوز الأساسية من وجهة نظري تكمن في عدة أمور:
- الاستخدام غير القانوني: معظم المستخدمين يلجؤون إلى نسخ غير أصلية (Cracked)، مما يجعل التجربة سيئة جدًا من ناحية الاستقرار، والتحديثات، والفيروسات. إذا اشتريت جهازًا جديدًا يأتي مع نسخة ويندوز أصلية، حاول الحفاظ عليها قدر المستطاع.
- الاعتمادية والاستقرار: واجهت مشاكل في الاعتمادية، ففي أحيان كثيرة عندما يكون لدي اجتماع عاجل وأريد فتح الحاسوب فورًا، كان النظام يقرر فجأة أن يقوم بالتحديث، ولا يمكنني استخدامه حتى ينتهي. هذا بالإضافة إلى “شاشة الموت الزرقاء” (Blue Screen of Death) التي تعتبر كابوسًا لأي مستخدم.
- تدهور الأداء: مع مرور الوقت، إذا لم تهتم بتنظيف ملفاتك وإزالة البرامج والملفات المؤقتة (
Temp files
) غير الضرورية، يبدأ أداء النظام في التدهور. تشعر وكأنه يعاقبك على عدم اهتمامك به.
من ناحية أخرى، ويندوز الآن مع وجود مساعد الذكاء الاصطناعي Copilot
أصبح ممتازًا ويسهل مهامًا كثيرة، وهذه ميزة قوية لن تجدها في أجهزة آبل بنفس الفئة السعرية. كما يسمح لك ويندوز بتشغيل نظام ويندوز الفرعي للينكس (WSL)، مما يتيح لك تشغيل بيئة لينكس كاملة داخل ويندوز إذا احتجت إليها.
نظام لينكس (Linux)
بدأ لينكس في التسعينيات على يد “لينوس تورفالدس”، الذي كان طالبًا جامعيًا في فنلندا وأراد إنشاء بديل بسيط ومجاني لنظام Unix
القوي والمكلف. شارك لينوس مشروعه مع العالم عبر الإنترنت، وسرعان ما نما النظام بفضل كونه مفتوح المصدر، حيث يمكن لأي شخص أخذه والتعديل عليه.
لينكس اليوم عملاق في عالم التكنولوجيا، خاصة في مجال الخوادم (Servers)، والحواسيب الفائقة (Supercomputers)، والأنظمة المدمجة (Embedded Systems). نسبة مستخدميه على الحواسيب الشخصية قد تكون قليلة (حوالي 2-3%)، لكنه منتشر جدًا بين المبرمجين، خاصة في مجالات مثل الأمن السيبراني (Cybersecurity) حيث تُستخدم توزيعات مثل Red Hat
وKali Linux
.
أهم مميزات لينكس:
- سهولة تثبيت البرامج: يمكنك تثبيت أي شيء تحتاجه عبر أمر واحد في سطر الأوامر، دون الحاجة لزيارة المواقع الرسمية وتنزيل الحزم يدويًا.
- بيئة مفتوحة المصدر: معظم البرامج والأدوات على لينكس مجانية ومفتوحة المصدر، وهو ما يدعمه مجتمع لينكس بقوة.
- محاكاة بيئة الخوادم: العمل على لينكس يجعلك أكثر ألفة مع التعامل مع الخوادم، لأنك تعتاد على استخدام سطر الأوامر.
لكن لينكس يفتقر لبعض البرامج مثل حزمة أدوبي (Adobe) أو Power BI
لتحليل البيانات، ورغم وجود بدائل، قد يمثل هذا مشكلة للبعض.
أعتقد أن من يستخدم لينكس غالبًا ما يكون لديه هدف معين، وليس لمجرد التميز. الحالة التي أنصحك فيها باستخدام لينكس هي إذا كان جهازك ضعيفًا أو ميزانيتك محدودة. لينكس يعمل حرفيًا على أي جهاز، ويمكن لجهاز متواضع جدًا أن يشغل لينكس ويتيح لك تعلم البرمجة دون أي ضغط مادي. إنه خفيف ولا يثبت برامج غير ضرورية، وتوجد توزيعات تناسب كل إمكانيات الأجهزة.
نظام ماك أو إس (macOS)
هو أيضًا نظام حصري ومغلق المصدر من شركة آبل. يشتهر بين المصممين والمحترفين، وتصل نسبة استخدامه عالميًا إلى حوالي 15%. من وجهة نظري، استخدامه ليس صعبًا، لكننا فقط غير معتادين عليه مثل ويندوز. بعد أسبوع واحد من استخدامه، اعتدت عليه وبدأت أستغرب من بعض منطق التعامل في ويندوز.
ما يميز macOS حقًا:
- البساطة والانسجام: التكامل بينه وبين أجهزة آبل الأخرى (آيفون، آيباد) يعمل بشكل ساحر، مع ميزات مثل
AirDrop
لنقل الملفات وHandoff
لإكمال عملك بين الأجهزة. - الاستقرار والأمان: النظام مستقر جدًا، ونادرًا ما تواجه مشاكل مثل الفيروسات أو الانهيارات المفاجئة. التحديثات تصل بسلاسة ولك الخيار في تثبيتها.
- لا يحتاج صيانة: لا تحتاج إلى تنظيف الملفات المؤقتة للحفاظ على سرعته؛ النظام يدير كل ذلك بنفسه.
مشكلته الأساسية هي التكلفة الباهظة، حيث يتطلب شراء جهاز من آبل. ورغم وجود حلول مثل Hackintosh
لتثبيته على أجهزة غير أجهزة آبل، إلا أنها تجربة غير مستقرة وتفتقر للميزات الكاملة.
بالنسبة للبرمجة، إذا كنت تطور تطبيقات iOS باستخدام Xcode
، فلا شيء ينافس أداءه. كما أنه ممتاز للمهام التي تتطلب أداءً عاليًا، مثل تشغيل حاويات Docker
أو المحاكيات (Emulators)، خاصة مع معالجات آبل من سلسلة M
(M1, M2, M3). نصيحة: إذا كنت تنوي شراء جهاز ماك بميزانية لا تسمح بشراء جهاز من سلسلة M
، فمن الأفضل توفير أموالك وشراء حاسوب محمول آخر، لأن الأداء الحقيقي يكمن في هذه السلسلة.
دعم أدوات البرمجة
أهم ما يهمنا هو دعم نظام التشغيل للأدوات التي نستخدمها. الحقيقة أنني لم أواجه مشكلة في تثبيت أي أداة كنت أحتاجها على أي من الأنظمة الثلاثة.
- Visual Studio Code: متاح لجميع الأنظمة (ويندوز، لينكس، ماك) وبمعماريات مختلفة.
- Python: يمكنك تنزيلها من موقعها الرسمي
python.org
لجميع أنظمة التشغيل.
هذا ينطبق على معظم لغات البرمجة والأدوات الأساسية التي ستحتاجها في بداية رحلتك.
كيف تختار النظام المناسب لك؟
هناك طريقة مبسطة لاتخاذ القرار، مستوحاة من قناة Fireship، وهي تعتمد على طرح بعض الأسئلة:
- هل أنت ثري؟
- نعم: استخدم
macOS
مباشرة، طالما أنك لست مرتبطًا بنظام آخر لسبب ما. - لا: انتقل إلى السؤال التالي.
- نعم: استخدم
- هل إمكانيات جهازك (الحالي أو الذي ستشتريه) جيدة؟
- نعم: استخدم
Windows
. - لا: استخدم
Linux
، فهو الحل الأمثل للأجهزة ذات الموارد المحدودة.
- نعم: استخدم
وتذكر دائمًا أن نظام التشغيل الذي تستخدمه ليس هو ما سيجعلك مبرمجًا ماهرًا. الأهم هو مهارتك أنت.
الجميل في الأمر أنه يمكنك تجربة كل الأنظمة قبل اتخاذ قرار نهائي. يمكنك تجربة Hackintosh
للماك، أو WSL
للينكس على ويندوز، أو تثبيت نظامين بتشغيل مزدوج (Dual Boot). أعطِ لنفسك فرصة لإلقاء نظرة على كل نظام.
أخيرًا، التحول بين أنظمة التشغيل ليس قرارًا أبديًا. من تجربتي، لن تحتاج أكثر من أسبوع أو عشرة أيام لتعتاد على أي نظام جديد وتعرف كل ما تحتاجه فيه.