مقدمة: ما هو الإنترنت الذي نعرفه؟
قديماً، عندما كنا نسمع كلمة “إنترنت”، كنا نفكر مباشرة في الأشياء التي نراها مثل جوجل، فيسبوك، ويوتيوب. وبالفعل، هذا هو الجزء الذي نتعامل معه كل يوم. لكن، هل هذا هو الشيء الوحيد الموجود حقًا؟ تابع معي.
الطبقة الأولى: الإنترنت السطحي (Surface Web)
الأشياء التي ذكرناها في البداية، مثل جوجل، فيسبوك، ويوتيوب، هي جزء صغير جدًا من الإنترنت. كأنك ترى قمة الجبل الجليدي الذي يطفو فوق الماء، بينما الجزء الأكبر مختبئ تحته. ما نراه يُسمى “الإنترنت السطحي” (Surface Web).
هذا هو الجزء الذي يمكنك الوصول إليه بسهولة. بمجرد أن تكتب الكلمة التي تريدها في جوجل، على سبيل المثال، تجد ملايين النتائج. يمكنك الدخول على أي نتيجة منها، تقرأ مقالًا، أو تستعرض محتوى. كل شيء متاح ومفتوح لأي شخص. بمعنى آخر، هي المواقع التي لا يتطلب دخولها بالضرورة إنشاء حساب، مثل جوجل أو يوتيوب، حيث يمكنك تصفحها بشكل طبيعي جدًا دون الحاجة لحساب.
ملاحظة هامة: رغم أن هذا هو الجزء الأكثر شهرة، إلا أنه لا يمثل أكثر من 5% من الحجم الحقيقي للإنترنت. تخيل أن كل ما تراه على الإنترنت يوميًا من مواقع وأخبار ومقالات هو فقط 5%. فأين الـ 95% الباقية؟
الطبقة الثانية: الإنترنت العميق (Deep Web)
تخيل معي أننا ننشئ حساب واتساب على سبيل المثال. هنا، ندخل إلى شيء يسمى “الإنترنت العميق” (Deep Web). وهذا ليس جزءًا مخيفًا على الإطلاق كما يفهم الكثير من الناس؛ فالإنترنت العميق مختلف تمامًا عما يعتقده الكثيرون.
هذا هو الجزء غير الظاهر لعموم الناس. لماذا؟ لأنه يكون محميًا وغير متاح إلا لمن لديهم صلاحية معينة، أو بمعنى آخر، يتطلب الدخول إليه وجود حساب.
أمثلة من استخداماتك اليومية للإنترنت العميق:
- البريد الإلكتروني: عندما تدخل على بريدك في جيميل.
- الخدمات المصرفية: عندما تدخل على حسابك البنكي من خلال التطبيق.
- المحادثات الخاصة: عندما تدخل إلى محادثاتك مع زملائك. هل يمكنك البحث عن هذه المحادثات على جوجل؟ بالطبع لا.
كل هذا يحدث داخل الإنترنت العميق، وأنت تستخدمه كل يوم دون أن تشعر.
أمثلة أخرى:
- الأنظمة الداخلية للشركات: الشركة التي تعمل بها لديها نظام داخلي يربط الموظفين من خلال محادثات وملفات وسجلات حضور وانصراف. هذا جزء من الإنترنت العميق لا يستطيع الوصول إليه سوى الموظفين، ولا يمكن لأي محرك بحث فهرسته.
- مواقع الحجز والبيانات الحساسة: عندما تحجز تذكرة طيران أو تتصفح ملفات مرضى في مستشفى، هل تكون هذه المعلومات متاحة لأي شخص؟ لا.
الإنترنت العميق ليس مرعبًا ولا خطيرًا، بل على العكس، هو أكثر جزء من الإنترنت فائدة.
الطبقة الثالثة: الإنترنت المظلم (Dark Net)
نأتي الآن للجزء الذي يثير فضول الناس دائمًا: “الإنترنت المظلم” (Dark Net). وهذا بالفعل شيء مختلف تمامًا.
لا يمكنك الوصول إلى هذا الجزء من الإنترنت عبر أي متصفح عادي. فلو فتحت جوجل كروم أو موزيلا فايرفوكس وكتبت فيه اسم موقع من الإنترنت المظلم، لن يظهر لك. وحتى لو كتبت رابط الموقع مباشرة، فإنه لن يعمل.
كيفية الوصول: لكي تدخل إلى هذه المواقع، يجب أن تستخدم متصفحًا خاصًا، مثل متصفح Tor، الذي يخفي هويتك ويجعل اتصالك غير قابل للتتبع.
إذا رأيت رابطًا لأحد هذه المواقع، ستجد أن شكله غريب، لأن أسماء النطاقات تكون غالبًا عشوائية ولا تنتهي بـ .com
أو .net
، بل تنتهي بـ .onion
. وقد تمت تسميتها كذلك لأن شبكة Tor تشبه البصلة في طريقة عملها، حيث توجد عدة طبقات من التشفير للوصول إلى المركز.
ملاحظة: من المستحيل تقريبًا الوصول إلى هوية منشئ أي موقع على الإنترنت المظلم.
والآن، دعنا نطرح سؤالاً: لماذا يوجد شيء يسمى “الإنترنت المظلم” من الأساس؟
الاستخدامات المشروعة وغير المشروعة للإنترنت المظلم
بدأ الأمر بفكرة نبيلة جدًا، وهي حماية الخصوصية.
الاستخدامات الإيجابية (الجانب المشرق):
- الحرية من الرقابة: يستخدمه الأشخاص الذين يعيشون في دول تفرض رقابة شديدة ويريدون التحدث بحرية.
- حماية الصحفيين: يلجأ إليه الصحفيون للهروب من تتبع السلطات.
- التصفح المجهول: يستخدمه أفراد يريدون تصفح الإنترنت دون أن يكشفوا عن هويتهم.
يمكنك أن تجد مواقع مفيدة بشكل طبيعي، مثل مكتبات ضخمة تحتوي على كتب نادرة، أو منصات للنقاش السياسي والعلمي دون رقابة، أو حتى مواقع للبيع والشراء لا تتطلب منك تقديم بياناتك الشخصية.
الاستخدامات السلبية (الجانب المظلم): لكن للأسف، مع وجود هذه الحماية والخصوصية الشديدة، دخل أشخاص آخرون واستغلوا الإنترنت المظلم في أمور غير قانونية. توجد أسواق إلكترونية تبيع كل شيء ممنوع يمكن أن تتخيله، من المخدرات والأسلحة، وهناك منتديات لأشخاص يشاركون في أنشطة مثل:
- اختراق الحسابات.
- بيع بيانات بطاقات ائتمان مسروقة.
- الاتجار بالأعضاء البشرية.
- بيع أطفال مخطوفين لأغراض إباحية، وهذا تجده بكثرة.
- وأشياء أخرى أكثر من ذلك بكثير.
مخاطر الإنترنت المظلم
هنا يأتي الخطر الحقيقي، ليس فقط بسبب المحتوى، ولكن أيضًا بسبب الأمان. في الإنترنت المظلم، لا توجد حماية كافية.
المخاطر الأمنية:
- الفيروسات: يمكن بسهولة أن يرسل لك شخص ما رابطًا يحتوي على فيروس.
- الاختراق: قد يتم اختراق جهازك.
- المراقبة: قد تتم مراقبتك إذا لم تؤمن نفسك جيدًا.
إذا دخلت إلى هناك وأنت لا تفهم ما تفعله، أو كان دافعك هو الفضول فقط، فقد تجد نفسك قد وقعت في فخ.
نقطة هامة ونصيحة
لكن يجب أن نوضح نقطة مهمة جدًا: مجرد الدخول على متصفح Tor أو حتى تصفح الإنترنت المظلم ليس جريمة في حد ذاته. الجريمة تبدأ عندما تشارك أو تتفاعل مع المحتوى غير القانوني.
لنتحدث بصراحة، هناك أشخاص دخلوا، ورأوا، ثم خرجوا دون أن يحدث لهم شيء. وهناك أشخاص آخرون دخلوا وبدأوا في الشراء والتعامل، وهنا بدأت المشكلة.
نصيحة خالصة: لا تبحث عن كيفية الدخول أو حتى مجرد التصفح العادي. لأن المشاهد بالداخل حقًا منها ما هو غير أخلاقي ومنها ما لن يعجبك، فهي سيئة جدًا. وهذا ليس مجرد كلام، بل هو نابع من تجربة شخصية.
الخلاصة
المهم الآن هو أن تفهم لماذا صُنعت كل طبقة من طبقات الإنترنت:
- الإنترنت السطحي: سهل ومفتوح، ولكنه محدود.
- الإنترنت العميق: ضخم ومفيد، ولكنه محمي.
- الإنترنت المظلم: مليء بالحرية، ولكن يجب أن تدخله بإدراك ووعي تام.
كل جزء له استخداماته وفوائده ومخاطره. والفرق ليس في المكان، بل فيما تفعله أنت بداخله. الإنترنت ليس مجرد صفحات تُفتح، بل هو عالم كبير، وهذا العالم يحتاج إلى وعي.
نلتقي في المقال القادم.