أهلاً وسهلاً بكم في هذا المقال. لنتحدث اليوم عن موضوع رواتب المبرمجين. لاحظت أن المقال السابق الذي تناول رواتب المئة ألف دولار قد حظي بتفاعل كبير وانتشر بشكل واسع، ويبدو أن هذا الموضوع يثير اهتمامكم. لذلك، قررت أن أستكمل الحديث فيه وأشارككم بعض النقاط الإضافية التي قد تستفيدون منها. الهدف هو تناول الموضوعات التي تودون قراءتها لتعم الفائدة.
للمبتدئين: كيف تتعامل مع وظيفتك الأولى؟
لنبدأ بالنقطة الأولى، وسأخصص الحديث في البداية لمن هم في الجامعة أو يبحثون عن وظيفتهم الأولى، وسأترك الحديث عن ذوي الخبرة للنهاية.
من الواقع العملي، الحصول على الوظيفة الأولى هو الأمر الصعب دائمًا، خصوصًا أنك لا تزال تفتقر للخبرة في كيفية البحث والحصول على الفرص.
نصيحة هامة: في وظيفتك الأولى، يُفضل ألا تركز على مناقشة الراتب أو أي تفاصيل مالية أخرى. هذه الوظيفة هي نقطة انطلاقك. سواء عُرض عليك 500 أو 700 أو 1000 دولار، هذا الرقم سيكون بمثابة خط الأساس لمسيرتك المهنية، ومنه ستتجه دائمًا نحو الأعلى.
قوة اللغة الإنجليزية: بوابتك لمضاعفة راتبك
إذًا، كيف تتجه للأعلى بسرعة؟ سأشارككم نقطة مهمة بناءً على تجربتي الشخصية. لو عادت بي مسيرتي المهنية، لكنت اتبعت هذا النهج. لقد بدأت مسيرتي في شركات عربية ثم انتقلت للعمل مع شركات أجنبية.
إذا كنت لا تزال في الجامعة، فإليك نصيحة ثمينة: اعمل على تطوير لغتك الإنجليزية. قد لا تدرك الآن الميزة الهائلة التي ستحصل عليها إذا كنت تتقن الإنجليزية.
تخيل أنك تبدأ عملك في بلدك براتب 1000 دولار (وهو رقم قد لا تحصل عليه في البداية). الآن، تخيل أنك تعمل عن بعد مع شركة أجنبية؛ يمكن أن يبدأ راتبك من 3000 دولار، أي ثلاثة أضعاف.
الفرص في السوق العربي جيدة، ولكن إتقان اللغة الإنجليزية يضاعف فرصك بشكل هائل. دائمًا ما يكون سوق العمل الناطق بالإنجليزية أكبر بضعفين أو ثلاثة أضعاف. لذا، النصيحة الأولى لك كخريج أو طالب أو في مرحلة بناء مسيرتك كمبرمج هي: استثمر في لغتك، فهي ستضاعف راتبك.
استراتيجية التفاوض والنمو في الشركات العربية
بعد أن تبدأ العمل مع شركات أجنبية، ستكتسب الخبرة الكافية لتحديد مسارك بنفسك. أما بالنسبة لمن يعملون في شركات عربية، إليكم بعض النقاط الهامة.
عندما تبدأ العمل براتب معين، تذكر دائمًا أن الشركات تهتم بإنجاز العمل أولًا وقبل كل شيء. مقولة “نحن نهتم بتطورك” هي غالبًا جزء من بروتوكولات الموارد البشرية. فكرة أن الشركة ستطورك لكي تصبح قائد فريق هي فكرة جيدة، ولكن لا تعتمد عليها كليًا. يجب أن تكون لديك خطتك الخاصة للتطور. فكر بنفسك وحدد أهدافك وخطواتك التالية.
كن على دراية بقيمتك الحقيقية
في اللحظة التي تبدأ فيها العمل على تقنية معينة، يجب أن تبدأ في تقييم الوضع. قد تقول إنك مبتدئ، وأنا أعلم ذلك، لكن ستة أشهر هي فترة كافية لفهم معظم جوانب أي وظيفة. قد تخبرك الشركات أنك تحتاج إلى سنة لتصبح موظفًا أقدم (Senior)، ولكن هذه مجرد تقديرات.
شخصيًا، خلال ثلاثة أشهر كنت قادرًا على فهم نظام الشركة بالكامل وبناء أي منتج من الصفر. بعد ستة أشهر، كنت مستعدًا للخطوة التالية، لكن الشركة أصرت على انتظار مرور عام كامل.
الخلاصة: الشركات تتبع جدولًا زمنيًا وسلم رواتب خاصًا بها، وغالبًا ما تقيّم فترة بقائك معها أكثر من مهاراتك الفعلية. لذلك، يجب أن تكون أنت من يقيّم مهاراته وقدراته الحقيقية.
لا تخف من المطالبة بحقك
إذا كنت في وظيفتك الأولى وتريد زيادة راتبك، فالطريقة بسيطة: انظر إلى ما يفعله الموظفون الأقدم منك في الشركة. يجب أن يكون حديثك دائمًا مدعومًا بالأدلة.
- ابحث عن وظائف مماثلة عبر الإنترنت.
- اطلع على المهارات المطلوبة والرواتب المعروضة.
- قدم طلبك بوضوح: “أنا أمتلك هذه المهارات، وقيمتي في السوق هي كذا”.
يجب أن يكون هذا هو محور نقاشك. كنت دائمًا أمتلك وعيًا ذاتيًا في كل شركة عملت بها. كنت أدرك أن فكرة “الشركة كعائلة” هي فكرة غير واقعية، وفي النهاية كنت أطبق ما أراه مناسبًا وأحصل على ما أريد.
خلال 11 شهرًا فقط، حصلت على زيادة في الراتب تعادل ما حصل عليه موظفون أقدم مني بسنتين. لا تتردد في تقدير ذكائك وقدراتك. السبب في ذلك هو أنني كنت أفهم القوة التي أمتلكها. عندما كان المدير يناقشني في الراتب ويقول إن المبلغ المطلوب مرتفع، كنت أقدم له أدلة من السوق وأقول: “انظر كم يتقاضى المبرمجون في الشركات الأخرى”، وكنت أذكر له أمثلة حقيقية من زملائي. بالطبع، لن يتحدثوا معهم، لكنهم يفهمون أنك شخص واعٍ بقيمتك. أنت من يحدد قيمته.
ابحث عن المنافسين
قد تتساءل: “ماذا لو طردوني؟”. إذا كنت تمتلك المهارات المطلوبة، فإن منافسي شركتك الحالية سيرغبون في توظيفك.
نصيحة: بمجرد أن تبدأ العمل في شركة، ابحث عن منافسيها. هذه هي الشركات التي من المحتمل أن تعمل بها لاحقًا، فهي تبحث عن أشخاص يمتلكون خبرة في نفس المجال. بالتالي، ستجد وظيفة أخرى بكل تأكيد. هذه استراتيجيات قمت بتطبيقها شخصيًا ونجحت معي.
خلاصة القول
في الشركات العربية، إذا لم تكن مفاوضًا جيدًا، فلن تصل إلى الراتب الذي تستحقه. انظر إلى الموظفين الهادئين الذين لا يناقشون، ستجدهم غالبًا يتقاضون رواتب أقل بكثير من قيمتهم السوقية لأنهم لا يطالبون بحقهم. يجب أن تكون قادرًا على التفاوض.
أما مع الشركات الأجنبية، فالرواتب تكون مجزية بشكل عام، وإذا كنت تعيش في دولة نامية، فإن راتبًا بالعملة الصعبة سيوفر لك حياة كريمة جدًا. اسعَ للعمل مع الشركات الأجنبية، فهذا أفضل لك.
على سبيل المثال، عمل معي طالب في السنة الثالثة الجامعية على مشروع لمدة عام واحد، وأصبح مدقق كود سوليديتي (Solidity Auditor). هذا يعني أنه أصبح خبيرًا في قراءة وتحليل شيفرات “سوليديتي” (لغة العقود الذكية) وتحديد الثغرات الأمنية فيها. هذا مستوى متقدم قد يحتاج البعض إلى ثلاث سنوات من الخبرة للوصول إليه، بينما وصل هو إليه في عام واحد فقط. السبب هو أنه استثمر وقتًا كبيرًا وواجه تحديات صعبة باستمرار.
في النهاية، تعلم اللغة الإنجليزية سيفتح لك آفاقًا جديدة. أما في السوق العربي، فركز على تطوير مهاراتك التفاوضية لتحصل على الوضع الذي تستحقه.