حاسبة زكاة الفطر

"طهرة للصائم وطعمة للمساكين"

دليلك الفقهي والروحي الشامل لزكاة الفطر: فهم الحكمة والأحكام

مع غروب شمس آخر يوم من رمضان، تتجلى حكمة الإسلام في عبادة مالية اجتماعية فريدة تُعرف بـ "زكاة الفطر". هي ليست مجرد صدقة تُعطى في نهاية الشهر الكريم، بل هي عبادة لها مقاصد روحية واجتماعية عميقة، لخصها الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بقوله: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين". إنها بمثابة الختم الروحي على صيامنا، تجبر أي نقص أو تقصير وقعنا فيه، وتطهر سجلنا قبل أن يُرفع. وفي الوقت نفسه، هي جسر من التراحم والتكافل يضمن أن تمتد فرحة العيد لتشمل كل بيت في المجتمع، فلا يبقى فقير أو محتاج جائعاً في يوم الفرح والسرور. فهم أحكامها، ومقدارها، ووقتها، ليس مجرد التزام فقهي، بل هو استيعاب لجوهر الإسلام الذي يربط بين صلاح العبد مع ربه وصلاح المجتمع بأكمله. هذه الحاسبة وهذا الدليل مصممان لتيسير هذه العبادة الجليلة، ومساعدتك على أدائها على أكمل وجه، وتحقيق مقاصدها السامية في حياتك وحياة من حولك.

كيف تعمل الحاسبة؟ (من الصاع النبوي إلى العملة المحلية)

جوهر حساب زكاة الفطر يعود إلى وحدة قياس نبوية تُسمى "الصاع". حدد النبي صلى الله عليه وسلم مقدارها بـ "صاع من طعام". الصاع هو وحدة قياس حجم، وليس وزناً، ويختلف وزنه باختلاف نوع الطعام (صاع من التمر أثقل من صاع من الشعير). العلماء المعاصرون قدّروا وزن الصاع من غالب قوت البلد (مثل الأرز) بما يتراوح بين 2.5 و 3 كيلوجرامات تقريباً.

تقوم هذه الحاسبة بالخطوات التالية لتسهيل الأمر عليك:

  1. تحديد القيمة النقدية للصاع: بدلاً من إلزامك بشراء الطعام بنفسك، وهو ما قد لا يكون الأنفع للفقير في بعض الأحيان، تقوم الحاسبة بالاستناد إلى قيم تقديرية معلنة من قبل الهيئات الإسلامية والمراكز الرسمية في مختلف البلدان. هذه الهيئات تقوم سنوياً بحساب متوسط سعر 2.5 إلى 3 كجم من الطعام الأساسي (مثل الأرز أو الدقيق) في السوق المحلي وتعلن عن قيمته النقدية.
  2. ضرب القيمة بعدد الأفراد: بعد تحديد قيمة الصاع الواحد في بلدك، تقوم الحاسبة ببساطة بضرب هذا المبلغ في عدد أفراد أسرتك الذين تلزمك نفقتهم.

فقه زكاة الفطر: إجابات على أهم الأسئلة

لأداء هذه العبادة بشكل صحيح، من المهم فهم أحكامها الأساسية:

  • على من تجب؟ تجب زكاة الفطر على كل مسلم، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، حر أو عبد، إذا كان يملك ما يزيد عن قوته وقوت من يعولهم ليوم العيد وليلته. الرجل هو المسؤول عن إخراجها عن نفسه وعن كل من تلزمه نفقته، مثل زوجته وأبنائه الصغار الذين لا مال لهم، ووالديه الفقيرين.
  • متى يجب إخراجها؟ وقت وجوبها هو غروب شمس ليلة عيد الفطر. أما وقت إخراجها الفعلي فله سعة:
    • وقت جائز: يجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، وهذا ما كان يفعله الصحابة لتسهيل التوزيع على الفقراء. بعض الفقهاء أجاز إخراجها من بداية النصف الثاني من رمضان.
    • أفضل وقت: هو صباح يوم العيد، قبل الخروج إلى صلاة العيد، لتحقيق المقصد من إغناء الفقراء عن السؤال في هذا اليوم.
    • وقت محرم: لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد. من أخرها لغير عذر، فإنها لا تُقبل منه كزكاة فطر، وتكون صدقة من الصدقات، وعليه إثم التأخير.
  • هل يجوز إخراج القيمة نقداً؟ هذه مسألة فقهية اختلف فيها العلماء. جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة يرون أن الأصل هو إخراجها طعاماً كما ورد في الأحاديث. بينما ذهب الحنفية وعدد من العلماء المعاصرين إلى جواز إخراج قيمتها نقداً إذا كان ذلك أنفع للفقير. في عصرنا الحالي، قد يكون الفقير في حاجة إلى المال لشراء ملابس لأولاده أو سداد فاتورة أكثر من حاجته إلى الأرز. لذلك، تبنت العديد من الهيئات الإسلامية الرسمية في مختلف البلدان هذا الرأي تيسيراً على المزكي والفقير على حد سواء، وهذه الحاسبة مبنية على هذا الرأي المعتبر.

الحكمة الروحية والاجتماعية لزكاة الفطر

هذه العبادة الصغيرة في حجمها، عظيمة في أثرها، تحمل في طياتها حكماً بالغة:

على المستوى الفردي (طهرة للصائم)

خلال شهر الصيام، قد يقع الصائم في بعض الأخطاء غير المقصودة من كلام لا فائدة فيه (اللغو) أو ما لا يليق (الرفث). تأتي زكاة الفطر كعمل جبري يطهر الصيام من هذه الشوائب، تماماً كما أن سجود السهو يجبر النقص في الصلاة. إنها فرصة لإنهاء شهر العبادة بعمل صالح يجمع بين العبادة المالية والرحمة بالخلق، ليكون ختامه مسكاً.

على المستوى الاجتماعي (طعمة للمساكين)

العيد هو يوم فرحة عامة لجميع المسلمين. تضمن زكاة الفطر أن هذه الفرحة لا تكون حكراً على الأغنياء. من خلال هذا النظام التكافلي، يتم إغناء الفقراء والمحتاجين عن الحاجة والسؤال في يوم العيد، ليتفرغوا للعبادة والمشاركة في فرحة المجتمع. إنها تجسيد حي لمفهوم الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

أسئلة شائعة حول زكاة الفطر

أنا طالب وأعيش بعيداً عن أهلي، هل أخرجها بنفسي أم يخرجها أبي عني؟
إذا كان والدك لا يزال هو المسؤول عن نفقتك بشكل أساسي، فالأصل أن يخرجها عنك. ولكن، إذا كنت مستقلاً مالياً أو أردت أن تخرجها بنفسك لتعويد نفسك على هذه العبادة، فهذا جائز بل ومستحب.
هل تجب على الجنين في بطن أمه؟
لا تجب زكاة الفطر على الجنين بإجماع العلماء، لأنها تجب على النفس المسلمة التي غربت عليها شمس آخر يوم من رمضان. ولكن، استحب بعض الفقهاء، كعثمان بن عفان رضي الله عنه، إخراجها عنه من باب التطوع والتفاؤل بقدومه.
لمن يجب أن أعطي زكاة الفطر؟
تصرف زكاة الفطر إلى نفس مصارف زكاة المال الثمانية، ولكن الأولى والأهم هم الفقراء والمساكين، لأن الهدف المباشر هو "إطعامهم" في يوم العيد. يمكنك إعطاؤها مباشرة للفقراء الذين تعرفهم في محيطك، أو توكيل الجمعيات الخيرية الموثوقة التي لديها قوائم بالمحتاجين لتقوم بتوزيعها نيابة عنك.