يُعد علم المواريث، أو "علم الفرائض"، من أدق العلوم وأشرفها في الشريعة الإسلامية، حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإنه نصف العلم". لماذا نصف العلم؟ لأنه يتعلق بحقوق الناس بعد انتقالهم من دار الدنيا، وهو نظام إلهي محكم نزل به الوحي لحل واحدة من أكثر القضايا حساسية وإثارة للنزاع في تاريخ البشرية: توزيع الثروة بعد الوفاة. لم يترك الإسلام هذه المسألة للأهواء الشخصية أو الأعراف القبلية، بل وضع لها قواعد مفصلة ودقيقة في القرآن الكريم تضمن العدالة، وتحفظ الحقوق، وتقطع دابر الخلاف بين الورثة. إن فهم هذا النظام ليس مجرد مسألة فقهية، بل هو استيعاب لحكمة إلهية عميقة تهدف إلى تحقيق التكافل الاجتماعي، وضمان استقرار الأسرة، وتطهير القلوب من الجشع والطمع. هذه الحاسبة وهذا الدليل هما نافذتك لإلقاء نظرة على عظمة هذا النظام، وفهم مبادئه الأساسية، وتيسير تطبيق أحكامه في الحالات الشائعة.
قبل التوزيع: الحقوق المتعلقة بالتركة بالترتيب
قبل أن يتم توزيع درهم واحد على الورثة، هناك حقوق أربعة يجب أن تُستوفى بالترتيب من مال المتوفى. التركة الصافية التي يتم توزيعها هي ما يتبقى بعد هذه الخطوات:
- مؤن تجهيز الميت: تكاليف الغسل، الكفن، والدفن.
- قضاء ديون المتوفى: سواء كانت ديوناً لله (كزكاة لم تدفع) أو ديوناً للعباد. وهذا حق مقدم على حق الورثة.
- تنفيذ وصيته: إذا كان المتوفى قد ترك وصية، فيتم تنفيذها بشرطين: أن لا تتجاوز ثلث (1/3) التركة المتبقية بعد سداد الديون، وأن لا تكون لأحد الورثة الذين لهم نصيب مفروض.
- توزيع الباقي على الورثة: المبلغ الصافي المتبقي بعد كل ما سبق هو الذي يتم توزيعه على الورثة حسب أنصبتهم الشرعية.
من هم الورثة؟ (أصحاب الفروض والعصبات)
يقسم الإسلام الورثة إلى فئتين رئيسيتين:
- أصحاب الفروض (Ashab al-Furud): هم الورثة الذين حدد لهم القرآن نصيباً مقدراً وثابتاً (مثل النصف، الربع، الثمن، الثلثين، الثلث، السدس). يتم إعطاء هؤلاء أنصبتهم أولاً. من أشهرهم الزوج، الزوجة، الأب، الأم، والبنات.
- العصبات (Asabat): هم الورثة الذين ليس لهم نصيب مقدر، ويأخذون ما تبقى من التركة بعد أن يأخذ أصحاب الفروض أنصبتهم. إذا لم يوجد أصحاب فروض، فإنهم يأخذون التركة كلها. أقوى العصبات وأقربهم هو الابن.
هناك نظام دقيق يحدد من يرث ومن لا يرث، ويسمى "الحجب" (Hajb)، حيث يحجب القريب الأبعد.
شرح مبسط لأنصبة الورثة الأساسيين (الذين تغطيهم الحاسبة)
هذه الحاسبة تركز على الحالات الأكثر شيوعاً التي تشمل الورثة من الدرجة الأولى:
- نصيب الزوج:
- يأخذ النصف (1/2) إذا لم يكن لزوجته المتوفاة فرع وارث (ابن، بنت، ابن ابن، إلخ).
- يأخذ الربع (1/4) إذا كان لها فرع وارث.
- نصيب الزوجة (أو الزوجات):
- تأخذ الربع (1/4) إذا لم يكن لزوجها المتوفى فرع وارث. (تشترك فيه الزوجات بالتساوي إن كن أكثر من واحدة).
- تأخذ الثمن (1/8) إذا كان له فرع وارث. (تشترك فيه الزوجات بالتساوي).
- نصيب الأب:
- يأخذ السدس (1/6) فرضاً إذا وجد للمتوفى فرع وارث ذكر (ابن أو ابن ابن).
- يأخذ السدس (1/6) فرضاً + الباقي تعصيباً إذا وجد للمتوفى فرع وارث أنثى (بنت أو بنت ابن) فقط.
- يأخذ الباقي تعصيباً إذا لم يوجد للمتوفى فرع وارث مطلقاً.
- نصيب الأم:
- تأخذ السدس (1/6) إذا كان للمتوفى فرع وارث، أو عدد من الإخوة (اثنين فأكثر).
- تأخذ الثلث (1/3) من كل المال إذا لم يوجد فرع وارث ولا عدد من الإخوة.
- نصيب الأبناء والبنات:
- إذا وجد أبناء وبنات معاً، فإنهم يأخذون الباقي تعصيباً "للذكر مثل حظ الأنثيين".
- إذا انفردت بنت واحدة ولم يوجد ابن، فإنها تأخذ النصف (1/2).
- إذا انفردت بنتان أو أكثر ولم يوجد ابن، فإنهن يأخذن الثلثين (2/3) يقتسمنه بينهن بالتساوي.
لماذا للذكر مثل حظ الأنثيين؟ (فهم الحكمة من وراء النصيب)
هذه إحدى القضايا التي يساء فهمها كثيراً. من المهم أن نعرف أن هذه القاعدة لا تطبق في جميع الحالات، فهناك حالات كثيرة ترث فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه. ولكن في حالة الأبناء، فإن الحكمة من هذا التوزيع ترتبط ارتباطاً وثيقاً بـ الأعباء المالية المختلفة التي تفرضها الشريعة على كل منهما:
- الرجل (الابن): ملزم شرعاً بالإنفاق على زوجته وأولاده وأحياناً والديه وأخواته. ماله هو مال لأسرته.
- المرأة (البنت): لا تجب عليها النفقة على أحد. مالها هو ملك خالص لها، ونفقتها واجبة على أبيها أو أخيها قبل الزواج، وعلى زوجها بعد الزواج.
فالتوزيع الإلهي يأخذ في الاعتبار الواجبات المالية المستقبلية، وليس مجرد تمييز في الجنس. فالابن يأخذ ضعفاً ليتحمل مسؤولية الإنفاق على أخته وعلى أسرته، بينما تحتفظ الأخت بنصيبها لنفسها بالكامل.
أسئلة شائعة حول الميراث
- هل يرث الأبناء بالتبني؟
- لا. التبني لا ينشئ حقاً في الميراث في الإسلام. الأبناء الذين لهم حق هم الأبناء من صلب الرجل. ولكن، يمكن للشخص أن يكتب وصية للشخص الذي تبناه في حدود ثلث التركة، وهذه الوصية واجبة التنفيذ.
- هل يمكنني حرمان أحد الورثة من الميراث أو تغيير الأنصبة في وصيتي؟
- لا. أنصبة الورثة محددة بالقرآن الكريم وهي إلزامية. لا يجوز للشخص أن يكتب وصية لأحد ورثته (مثل أن يعطي ابناً أكثر من نصيبه) أو أن يحرم وارثاً من حقه. الوصية تكون فقط لغير الورثة وفي حدود الثلث.