قصة Airbnb: من مراتب هوائية إلى إمبراطورية المليارات

بداية غير متوقعة

البداية كانت أشبه بالمزحة، شركة لم يكن من المفترض لها أن تنجح ومؤسسون لم يكونوا يعرفون إلى أين يتجهون. فكرة مجربة من قبل وممنوعة في العديد من المدن، حتى المدير التنفيذي لم يكن يمتلك أي خبرة، وفي الأصل لم يكن يعرف حتى إلى أين يتجه. رغم ذلك، هذا المشروع الصغير أصبح اليوم إمبراطورية تقدر قيمتها بالمليارات. Airbnb، أكبر مزود للإقامات في العالم، والمفاجأة أنهم لا يملكون منزلاً واحداً. كيف تمكن مشروع بدأ بمراتب هوائية في غرفة الجلوس من الانتشار في العالم بأكمله؟

فكرة وليدة الحاجة

براين وجو، صديقان كانا على وشك أن يفقدا منزلهما لأنهما لم يدفعا الإيجار ولم يكونا يملكان أي مال. كانا يعرفان أن مؤتمراً للتصميم سينعقد في مدينتهما وأن الفنادق كلها ستمتلئ. خطرت لهما فكرة: “لماذا لا نؤجر المساحة التي لدينا؟”. كان لديهما ثلاث مراتب هوائية، وضعاها في غرفة الجلوس وأطلقا على التجربة اسم “Airbed and Breakfast”، والتي تعني “سرير هوائي ووجبة فطور”. أنشآ موقعاً مجانياً وجعلاه مشروعاً مؤقتاً للمؤتمر. أتى أشخاص وناموا لديهما، خرجا معهم، وأطلعاهم على معالم المدينة. أعجب الضيوف بالأمر وكل شيء سار على ما يرام. خلال المؤتمر، ربحا ما يقارب 1000 دولار. ذلك الربح ساعدهما على دفع الإيجار ومنحهما بعض الوقت للتفكير في فكرة عمل حقيقية. لم تكن “Airbed and Breakfast” هي الفكرة الكبرى أو المشروع الكبير الذي كانا يأملان به، لكنها على الأقل سمحت لهما بالتخلص من عبء الإيجار قليلاً والتفكير ملياً فيما سيفعلانه لاحقاً.

البحث عن فكرة

بعد المؤتمر، لم تكن لديهما أي فكرة واضحة. بدأ براين وجو يبحثان عن فكرة عمل مبتكرة جداً، لأن فكرة Airbnb لم يكونا ينويان جعلها مشروعاً جدياً ودائماً. في هذا الوقت، كان براين يتلقى ملاحظات من صديقته التي كانت قلقة على مستقبله لكونه عاطلاً عن العمل، وكانت على حق. فعادا إلى فكرة المراتب الهوائية لأنها درّت عليهما بعض المال. استعانا بصديقهما القديم نيثن، الذي كان مبرمجاً، وهكذا أعادا إطلاق الفكرة ولكن بموقع جديد ومحترف. المشكلة هي أن الناس لم يعجبهم المشروع ولم يحقق نجاحاً جيداً، لدرجة أن أحد أوائل الزبائن كان براين نفسه. كان الناس يرون الفكرة كتجربة اجتماعية غريبة، بينما كان أصحاب المشروع متأكدين أن الناس لو جربوها، ستعجبهم.

الفرصة الذهبية

عندما علما أن 75 ألف شخص سيحضرون مؤتمر الحزب الديمقراطي حيث سيلقي أوباما خطابه، عندها قالا: “هذا هو الوقت المناسب”. تواصلا مع كل صحفي أو مدون عبر البريد الإلكتروني، وتجاوبت معهم الصحافة، وبدأ موقعهما ينشط. بدأت الأموال تتدفق، ولكن باي بال أغلق حسابهما لأنهما تلقيا الكثير من المال دفعة واحدة. بعد أن حُلّت المشكلة، فرحا كثيراً. بدأ الناس يعرضون منازلهم على المنصة وآخرون يقومون بالحجز. ولكن، عندما انتهى المؤتمر، هدأ كل شيء وتوقفت الحجوزات. عندها فهما أن النجاح لا يكمن في المؤتمرات، وأنهما يحتاجان إلى شيء يعمل على مدار العام.

حبوب الإفطار السياسية

نفدت الأموال التي كانت لديهما، والمستثمرون لم تعجبهم الفكرة. ذهب براين للتحدث مع العديد من المستثمرين، لكن الجميع كان يسخر منه. أحد المستثمرين نهض من الطاولة وغادر في منتصف الاجتماع. كانت الفكرة تخيفهم: أن يؤجر شخص منزله لأشخاص لا يعرفهم، يمكن أن تحدث كارثة. بقيا صامدين بالديون فقط. وفي منتصف الليل بينما كانا جالسين يفكران في حل، خطرت لهما فكرة مجنونة. قالا: “إذا لم نتمكن من بيع ‘Airbed’ (المراتب الهوائية)، فلماذا لا نبيع ‘Breakfast’ (وجبة الفطور)؟ الفطور بدلاً من السرير”. اقتربت الانتخابات، وكان هناك متنافسان: أوباما ضد ماكين. قاما بتصميم حبوب إفطار (سيريال) خاصة بالحملة الانتخابية، بعلامتين تجاريتين: واحدة لأوباما “Obama O’s” وأخرى لماكين “Cap’n McCain’s”. بحثا عن أرخص حبوب إفطار في السوق، اشتريا منه ألف علبة، وبدآ يطبعان علب كرتون خاصة بالمنتج، يملآنها ويعيدان بيعها. من يحب أوباما اشترى حبوب الإفطار الخاصة به، ومن يحب ماكين اشترى منتجه. أرسلا العلب إلى الصحافة، التي تحدثت عنهما. أصبح الناس يشترون حبوب الإفطار بسعر خيالي لأن عددها كان محدوداً. حققا مبيعات كبيرة وأحدثا ضجة، لدرجة أنهما ظهرا على قناة CNN، وبدأ الناس يعيدون بيعها على eBay و Craigslist مقابل 350 دولاراً للعلبة. هذا الأمر جلب لهما ما يقارب 30 ألف دولار في يوم واحد.

القبول في Y Combinator

سمع براين وجو أن برنامج Y Combinator يستقبل الطلبات. هذا البرنامج هو مسرّع للمشاريع، بمعنى أنه يمنحك تمويلاً ويوجهك بخبرة رجال أعمال كبار لتضمن نجاح مشروعك. فرحا كثيراً وذهبا إلى المقابلة متحمسين، ولكنها كانت كارثية مثل سابقاتها. الشخص الذي أجرى المقابلة، بول غراهام، سألهما: “لماذا قد يبيت الناس في منازل لا يعرفون أصحابها؟ ولماذا قد يسمح الناس لغرباء بالدخول إلى منازلهم؟”. أجاباه، لكنهما شعرا بأنهما لم يقنعاه. خرجا من المقابلة يائسين ومحبطين، يفكران في أن الشركة ستموت. بينما كانا يغادران، كان جو يخبئ علبة من حبوب إفطار ماكين. أخرج العلبة وأعطاها لبول غراهام. لم يفهم الرجل شيئاً وسأله: “ما هذا؟”. شرحا له: “هذه حبوب الإفطار التي صنعناها لجمع المال والخروج من الديون”. بقي الرجل يضحك وقال لهما: “هل أنتما مثل الصراصير، لا تموتان؟”. غادرا، وبعد بضعة أيام، تلقيا اتصالاً يخبرهما بأنه قد تم قبولهما في برنامج Y Combinator. ومن هناك بدأت المغامرة الحقيقية.

النمو والتطور

في Y Combinator، حصلا على التمويل وخبرة المستثمرين. فهما الكثير من الجوانب وأدركا العديد من الأخطاء التي ارتكباها في مشروعهما. على سبيل المثال، كانت هناك قيود كثيرة تصعّب الخدمة، مثل ضرورة بقاء المضيف في المنزل، فقاما بإزالتها كلها. حتى الاسم قاما بتغييره من “Airbed and Breakfast” إلى “Airbnb”، وأطلقا الخدمة بدون قيود. زاد الطلب، ولكن كانت هناك مشكلة في الصور؛ فالناس لم يكونوا يعرفون كيف يصورون منازلهم جيداً، والصور السيئة لا تجذب الزبائن. قررت Airbnb إرسال مصورين محترفين لتصوير المنازل. كلفهما القرار غالياً، لكن النتيجة كانت ارتفاعاً في الحجوزات من 50 إلى 1000 حجز في اليوم.

عوامل النجاح

أصبح الناس يرغبون في اكتشاف أماكن جديدة؛ أرادوا النوم في خيمة، في منزل خشبي، أو حتى في قصر. بدأ الناس يملون من الفنادق التي كانت متشابهة تقريباً. فكرة الإيجار اليومي لم تكن جديدة، فقد كانت هناك العديد من المواقع مثل Craigslist, HomeAway, و Couchsurfing. ولكن الشيء الذي أحدث الفارق هو أن منصة Airbnb كانت أنيقة، بسيطة، وتتضمن نظام تقييم للضيوف والمضيفين على حد سواء. كما قاما بإنشاء برنامج يراقب الإعلانات على Craigslist ويرسل رسائل آلية لجذب المعلنين من المواقع الأخرى إليهم. أحد العوامل المهمة في هذه القصة هو التوقيت. ظهرت Airbnb مباشرة بعد الأزمة المالية لعام 2008. في ذلك الوقت، أصبح الناس بحاجة لكسب بعض المال الإضافي، وأصبح المسافرون يبحثون عن أماكن إقامة رخيصة. هنا لعبت Airbnb دور الوسيط الذي يربط بين الأشخاص الذين لديهم مساحة فارغة والأشخاص الذين يبحثون عن مكان للإقامة بسعر جيد.

الكارثة الأولى

واحدة من المضيفين كانت شابة تدعى إيجي. كانت إيجي تعمل بشكل مستقل ولم يكن لديها راتب ثابت، وكان عليها أن تكافح لكسب المال. سمعت الناس يتحدثون عن Airbnb ويمدحونه، فقررت أن تجرب وتؤجر منزلها لتساعد نفسها قليلاً. كتبت في إعلانها: “ملاذ مشمس، دافئ ومريح. المكان الذي أشعر فيه بالأمان والسلام”. وعندما عادت من السفر لتتفقد منزلها، وجدت كارثة. الضيف الذي استأجر المنزل خرّب وكسّر كل شيء. لم يكتفِ بذلك، بل كسر باب الخزانة المقفلة وسرق جواز سفرها، أموالها، بطاقاتها البنكية، وحتى بعض المجوهرات التي ورثتها. كاميرات المراقبة، جهاز الآيبود، حاسوبها المحمول، وحتى القرص الصلب الذي كانت تحتفظ فيه بصورها وصور عائلتها، كلها سُرقت. أشعل النار في ملابسها، وسكب المبيض على الفراش، مفارش الطاولات، المراتب، وحتى على طابعتها. وما تبقى، جمعه في وسط المنزل، رماه على الأرض وسكب عليه المبيض والماء. كتبت إيجي في مدونتها أنها لم تعد تشعر بالأمان، وبدأت تصيبها نوبات هلع. أصبحت تقضي أمسياتها تبحث في المتاجر على أمل أن تجد شيئاً من ممتلكاتها المسروقة. أحد السطور المؤثرة جداً كان عندما كتبت: “لم يسرقوا أغراضي فقط، لقد سرقوا روحي”، وكانت تقصد بذلك أنهم سلبوها شعورها بالأمان.

إدارة الأزمة

بعد أن اشتهرت القصة، لم تعرف Airbnb كيف تتصرف. كان ردهم الأولي بارداً، والصحافة لم تضيع الوقت وهاجمتهم. انقسم فريق Airbnb؛ البعض قال إنه يجب عليهم الاعتراف بالخطأ والاعتذار رسمياً، والآخرون خافوا من تحمل المسؤولية القانونية. نصح محامو براين بعدم الإدلاء بأي تصريح قد يزيد من المشاكل، وأصدروا رداً رسمياً مفاده: “نحن على تواصل مستمر مع إيجي”. لكن إيجي فضحت الأمر وقالت إن هذا غير صحيح وأنهم لم يتواصلوا معها. عندها، فعل براين عكس ما طلبه منه محاموه، وكتب من قلبه في بيان رسمي: “لقد فشلنا بشدة”. وبعد ذلك، أعلن عن خطوة كبيرة: ضمان بقيمة 50 ألف دولار لأي مضيف يتعرض للتخريب. تم تطبيق هذا الضمان على إيجي وتم تعويضها بالكامل. كما أنشأت الشركة خط طوارئ يعمل على مدار 24 ساعة وضاعفت عدد موظفي خدمة العملاء. كلفهم هذا الأمر غالياً جداً، لكن ثقة الناس بدأت تعود.

المعركة القانونية

وقبل أن تنتهي مشكلة إيجي، واجهت الشركة مشكلة أكبر: القانون. فكرة Airbnb في الأصل لم تكن قانونية في العديد من المدن. وهذه القوانين تتغير من بلد لآخر، ومن مدينة لأخرى، وأحياناً حتى من حي لآخر. بعض المدن لديها قوانين تتعلق بمدة الإيجار، المعايير الهندسية للمباني، الضرائب المحلية، والتراخيص. في بعض الأماكن، توصلت Airbnb إلى تفاهم مع السلطات وأصبحت تعمل بشكل قانوني، وفي أماكن أخرى، واجهت مشاكل. بدأت المدن تحارب Airbnb. نيويورك، على سبيل المثال، لديها لوبي فنادق قوي جداً ونقابات ضغطت ضد Airbnb، وشنوا ضدها حملات وسنوا قوانين تحارب الخدمة. حتى برلين في عام 2016 أصبحت تمنع الناس من تأجير المنزل بأكمله عبر Airbnb، وكان يتم تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن أي خرق للقانون. السبب هو أن الملاك الذين كانوا يؤجرون شهرياً أصبحوا يطردون المستأجرين ليؤجروا باليوم ويحققوا أرباحاً أكبر، مما خلق أزمة سكن وتسبب في ارتفاع أسعار العقارات. حتى المستأجرون أنفسهم أصبحوا يعيدون تأجير العقارات باليوم. وفي عام 2016، رفعت Airbnb دعوى قضائية ضد نيويورك وسان فرانسيسكو لمعارضة القوانين الجديدة التي تعاقب المضيفين والشركة نفسها بغرامات كبيرة.

ما بعد الإقامة: التجارب

Airbnb ليست مجرد مكان للنوم، بل هي تجربة كاملة. وهنا قرر براين أن يطلق فكرة جديدة، وهي “تجارب Airbnb” (Airbnb Experiences). أصبح بإمكان السكان المحليين عرض تجارب سياحية فريدة. كانت الفكرة بسيطة: السكان المحليون لديهم مهارات، فلماذا لا يشاركونها مع الضيوف؟ كان هدف براين الأكبر هو أن تصبح Airbnb المنصة الشاملة للسفر، حيث يمكنك حجز السكن، الأنشطة، المطاعم، وحتى تذاكر الطيران، كل شيء من تطبيق واحد.

جائحة كوفيد-19

ولكن قبل أن يتحقق هذا الحلم، في عام 2020، بدأ فيروس جديد بالانتشار من الصين ووصل إلى أمريكا وبقية العالم، الذي دخل في حالة طوارئ. لم يكن كوفيد-19 مجرد فيروس، بل كان كارثة اقتصادية. توقف العالم بأسره، وAirbnb، التي كانت تعتمد على السفر والتنقل، وجدت نفسها مشلولة. انخفضت الحجوزات بنسبة 80%، وبدأ الناس يلغون حجوزاتهم، وتجاوزت قيمة طلبات الإلغاء المليار دولار. المشكلة الأكبر كانت أن المضيفين لم يرغبوا في إعادة الأموال للضيوف. اختارت Airbnb إعادة الأموال للعملاء من جانب واحد، فشعر المضيفون بالخيانة. عندها حاولت Airbnb تدارك الموقف، وأنشأت صندوقاً بقيمة 250 مليون دولار لمساعدة المضيفين وتعويضهم جزئياً، وغيرت استراتيجيتها من السفر الدولي إلى السفر المحلي والقريب.

المستقبل والتساؤلات

12 عاماً من الخدمة، 12 عاماً من المشاكل، 12 عاماً من التطور، 12 عاماً من المعاناة. ورغم ذلك، حتى عام 2020، لم تكن Airbnb قد أعلنت عن تحقيق ربح سنوي صافٍ. بدأ بعض المحللين يقولون إنها قد تظل مجرد شركة خاسرة على المدى الطويل، ومع مرور الوقت قد تنهار. تبقى قصة Airbnb قصة أسطورية. قصة بدأت بمراتب هوائية وحبوب إفطار أوباما وأصبحت من أعظم قصص ريادة الأعمال. ولكن السؤال لا يزال مطروحاً: هل ستبقى Airbnb صامدة، أم أن كل هذا كان مجرد حلم كبير؟

شارك المقال

أحدث المقالات

CONNECTED
ONLINE: ...
SECURE
00:00:00