إتقان التواصل مع الذكاء الاصطناعي: من هندسة الأوامر إلى هندسة السياق

سواء كنت تكتب الأكواد البرمجية أم لا، فهذا المقال مهم جدًا لك إذا كنت ترغب في الحصول على أفضل النتائج من نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) مثل ChatGPT وغيرها من هذه الأدوات. في هذا المقال، سنتحدث عن مصطلحين مهمين جدًا: الأول هو هندسة الأوامر (Prompt Engineering)، والثاني والأحدث منه هو هندسة السياق (Context Engineering)، وهو مصطلح في غاية الأهمية.

ما هو الأمر (Prompt)؟

لنبدأ أولًا بتعريف ما هو “الأمر” (Prompt). الأمر هو التعليمات التي أقدمها لنموذج اللغة الكبير لكي يُخرج لي نتيجة. ماذا يعني هذا الكلام؟ على سبيل المثال، إذا قلت لـ ChatGPT:

“اجمع 5 و 6”

هذه الجملة “اجمع 5 و 6” هي ما يسمى “بالأمر”.

ما هي هندسة الأوامر (Prompt Engineering)؟

هي العملية التي نُحسّن من خلالها الأمر للحصول على نتيجة أفضل من السابق. عملية هندسة الأوامر هي عملية تكرارية (iterative). ويعني ذلك أنها تعتمد على تحسين الأمر الذي نكتبه، ثم نرى النتيجة، ثم نعود لتحسينه مرة أخرى ونرى النتيجة المحدثة، وهكذا حتى نصل إلى أفضل نتيجة ممكنة. وهذا ما سنستعرضه معًا خلال هذا المقال، حيث سنتناول بعض الطرق والتقنيات التي تساعدنا على تحسين الأوامر التي نقدمها لنماذج اللغة الكبيرة.

المصطلح الأحدث: هندسة السياق (Context Engineering)

لفهم هذا المصطلح، يجب أولًا أن نفهم معنى كلمة “سياق” (Context). تخيل معي لو قلت لك: “ما الأخبار؟” وصمتُّ. فهل “ما الأخبار” هذه تعني أخبارًا جيدة حدثت بالأمس؟ أم أخبارًا سيئة؟ أم أقصد بها الأخبار على مستوى العالم عمومًا؟ هذا الغموض هو ما يوضحه السياق.

إذًا، ما هي هندسة السياق؟ هي إعطاء نموذج اللغة الكبير الكمية المناسبة من المعلومات لكي يتمكن من فهم المهمة أو المشكلة التي يعمل عليها، وبالتالي يُخرج نتيجة أفضل.

يعد مصطلح هندسة السياق مهمًا جدًا، فعلى سبيل المثال، أشار الرئيس التنفيذي لشركة Shopify إلى تفضيله لمصطلح “هندسة السياق” على “هندسة الأوامر”. كما أيده “أندري كارباثي”، بالإضافة إلى مقالات من “LangChain” وشركة “Devin” التي تؤكد على أهميته.

تقنيات لتحسين الأوامر

والآن، لنتحدث عن بعض التقنيات التي تحسن من أوامرنا. المطلوب منك ليس حفظ أسماء هذه التقنيات أو مميزاتها وعيوبها، ولكن فهم الفكرة العامة لتتمكن من استخدامها بشكل طبيعي في كتاباتك اليومية.

1. التوجيه بدون أمثلة (Zero-shot Prompting)

لنبدأ بكتابة أمر بسيط:

“قل لي ما هي أكثر البلاد حرارة في فصل الصيف.”

ستكون الإجابة قائمة بالدول الحارة مثل الكويت والعراق وإيران مع ذكر درجات الحرارة. الإجابة منطقية وجيدة. لكن، ما رأيكم لو أضفنا فقط عبارة “واشرح لي السبب كأنني طفل في الخامسة من عمره”؟

“قل لي ما هي أكثر البلاد حرارة في فصل الصيف، واشرح لي السبب كأنني طفل في الخامسة من عمره.”

ستختلف الإجابة تمامًا، حيث سيقول النموذج شيئًا مثل: “حسنًا، أكثر البلاد حرارة في الصيف هي… والسبب هو أن هذه البلاد قريبة جدًا من الشمس، تخيل أنها تقف تحت المصباح مباشرة!”.

ما فعلناه للتو هو إضافة سياق، مما أدى إلى تغيير المخرجات. هذه الطريقة، التي نرسل فيها الأمر مباشرة ونتوقع ردًا، تُسمى “التوجيه بدون أمثلة” (Zero-shot Prompting)، وهي التي نستخدمها غالبًا في مهامنا اليومية.

لنجرب الآن إعطاء سياق أكثر تفصيلًا:

“أنا أعمل مدرسًا ولدي حصة علوم لطلاب KG2. أريد أن أشرح لهم لماذا تكون بعض البلاد حارة جدًا في الصيف. استخدم لغة بسيطة جدًا وشبّه لهم الجو بشيء من حياتهم اليومية. قل لي ما هي أكثر البلاد حرارة في الصيف واشرح السبب.”

هنا، أعطينا النموذج دورًا وسياقًا محددًا. ستكون النتيجة أكثر تفصيلاً وإبداعًا، مثل: “أهلاً يا أبطال! هل تعلمون أن هناك بلادًا في العالم عندما يأتي الصيف يصبح الجو فيها حارًا جدًا؟ تخيلوا لو فتحتم باب الفرن وهو يعمل، ستشعرون بحرارة تخرج منه، هذا ما يحدث في تلك البلاد!”.

هنا نعود مرة أخرى إلى أهمية السياق عند كتابة الأوامر.

2. التوجيه بأمثلة قليلة (Few-shot Prompting)

في هذه التقنية، نعطي النموذج أمثلة وإجاباتها ثم نطرح سؤالنا.

اشرح لي مفاهيم علمية معقدة كأنك تتحدث مع طفل في الخامسة من عمره.

مثال 1: السؤال: ما هي الكهرباء؟ الإجابة: الكهرباء تشبه خرطوم المياه، لكن بدلًا من الماء، تسري بداخلها طاقة تشغل الأنوار والتلفاز.

مثال 2: السؤال: ما هي الجاذبية؟ الإجابة: الجاذبية هي قوة خفية تجعل كل شيء يقع على الأرض ولا يطير في الهواء.

سؤالي: ما هي أكثر البلاد حرارة في الصيف ولماذا؟

فائدة هذه الطريقة هي أنها تتيح لنا التحكم في أسلوب وشكل المخرجات. سيتبع النموذج نفس التنسيق الذي قدمناه:

الإجابة: أكثر البلاد حرارة هي… لأنها مثل الجلوس قريبًا جدًا من المدفأة، ستشعر بالحرارة الشديدة.

3. سلسلة الأفكار (Chain-of-Thought Prompting)

لنجرب هذا الأمر:

“قل لي السعرات الحرارية في البطاطس.”

سيجيب النموذج بأن السعرات تختلف حسب طريقة الطهي (مسلوقة، مقلية، مشوية). الآن، لنضف فقط عبارة “فكر خطوة بخطوة”.

“قل لي السعرات الحرارية في البطاطس. فكر خطوة بخطوة.”

ستختلف الإجابة تمامًا:

حسنًا، لنحسب السعرات الحرارية: الخطوة 1: تحديد طريقة الطهي. الخطوة 2: وزن البطاطس. الخطوة 3: حساب السعرات بناءً على الوزن وطريقة الطهي. …

هذه التقنية تسمى “سلسلة الأفكار” (Chain-of-Thought Prompting). فائدتها أنها تكشف لنا عن “طريقة تفكير” النموذج، مما يسمح لنا بتصحيح أي خطأ في خطواته، أو تعلمنا خطوات لم نكن نعرفها. وهي مفيدة جدًا في الأسئلة التي تتطلب تحليلًا ومقارنات.

ملحوظة: النماذج الاستدلالية المتقدمة (Reasoning Models) لا تحتاج غالبًا إلى عبارة “فكر خطوة بخطوة”، لأنها تقوم بذلك داخليًا بالفعل.

4. الأمر الوصفي (Meta Prompting)

هنا، نطلب من النموذج أن يكتب لنا الأمر بنفسه.

“أريد بناء تطبيق، واحتياجك لكتابة أمر يساعدني في بناء هذا التطبيق.”

بدلًا من طلب الحل، نطلب منه بناء الأداة (الأمر) التي ستقودنا للحل. سيقوم النموذج بطرح أسئلة لفهم الفكرة ثم يقدم أمرًا مفصلاً.

النموذج: “بالتأكيد، لمساعدتك في كتابة الأمر المناسب، أجب عن هذه الأسئلة: ما هي فكرة التطبيق؟…” أنا: “فكرة تطبيق قائمة مهام (To-do list).” النموذج: “ممتاز. إليك أمر يمكنك استخدامه: ‘أريد بناء تطبيق قائمة مهام باستخدام React و Node.js. أريدك أن تتصرف كخبير مطورين (Senior Full-Stack Developer) وتكتب لي خطة عمل كاملة…’”

هذه التقنية قوية جدًا لأن النموذج قد يغطي جوانب لم نفكر بها.

5. تسلسل الأوامر (Prompt Chaining)

عندما تكون لدينا مهمة كبيرة، مثل كتابة مقال، من الأفضل تقسيمها إلى مهام أصغر.

“أريد كتابة منشور على LinkedIn عن أهمية هندسة السياق. اكتب لي ما هي العناصر التي سنحتاجها.”

سيقوم النموذج بتقسيم المهمة:

  1. عنوان جذاب (Hook)
  2. تعريف بسيط
  3. أمثلة عملية
  4. لماذا هو مهم؟
  5. خاتمة

بعد ذلك، يمكننا العمل على كل جزء على حدة:

“أعطني 5 أمثلة لعناوين جذابة.”

وهكذا، نأخذ نتيجة كل مهمة صغيرة ونستخدمها كمدخل للمهمة التالية حتى يكتمل المقال.

6. شجرة الأفكار (Tree of Thought)

هنا، نجعل النموذج يفكر في عدة احتمالات وحلول في نفس الوقت.

“أخطط للذهاب في عطلة صيفية، ولكني لا أعرف إلى أين أذهب. اقترح عليّ أماكن رخيصة وقارن بينها.”

سيقدم النموذج عدة اقتراحات (مثل دهب، مرسى علم، إلخ) مع مقارنة بين التكاليف والمميزات والعيوب لكل منها. هذه الطريقة مفيدة عندما يكون للمشكلة عدة حلول ونريد تقييمها.

7. التوجيه القائم على الأدوار (Role Prompting)

هذه من أقوى التقنيات، حيث نطلب من النموذج أن يتقمص دورًا معينًا.

مثال بدون دور:

“ما رأيك في فكرة تطبيق مؤقت للشاشة (Screen Timer)؟”

ستكون الإجابة عامة (فكرة جيدة، هناك طلب عليها، بعض التحديات…).

مثال مع دور:

“تصرف كأنك مستشار أعمال بخبرة 20 عامًا في إدارة المنتجات، وتساعد رواد الأعمال على إيجاد توافق المنتج مع السوق (Product-Market Fit). ساعدني في تحليل فكرة تطبيق مؤقت للشاشة، وهل هناك احتياج فعلي لها في السوق؟”

الإجابة هنا ستكون مختلفة تمامًا وأكثر عمقًا:

“حسنًا، بصفتي مستشار أعمال… لنحلل الفكرة:

  • المستخدم المستهدف: من هم بالضبط؟ الآباء؟ الموظفون؟
  • المشكلة: هل هي مشكلة مؤلمة ومتكررة حقًا؟
  • السوق: هل هناك فرصة حقيقية أم أن السوق مشبع؟
  • توصيات: بدلًا من تطبيق عام، فكر في التخصص في شريحة معينة (niche)…”

النتائج تكون أكثر تحديدًا وتوجيهًا بناءً على الدور الذي حددناه.

8. طلب السياق (Ask for Context)

لماذا لا نجعل النموذج هو من يسألنا عن السياق الذي يحتاجه؟

“أريدك أن تكتب لي منشورًا على LinkedIn عن مشروع أعمل عليه، ولكن قبل أن تكتب، اسألني عن أي تفاصيل أو سياق قد تحتاجه.”

سيقوم النموذج بطرح أسئلة ذكية:

“بالتأكيد. قبل أن أبدأ، أخبرني:

  • ما هو اسم المشروع ووصفه؟
  • ما هو أكبر تحدٍ واجهته؟
  • ما هو الإنجاز الذي تفتخر به؟”

بهذه الطريقة، نضمن أننا نقدم الكمية المناسبة من المعلومات، لا أقل ولا أكثر، مما يؤدي إلى أفضل النتائج.

خلاصة القول

يمكن تلخيص هذا المقال في جملتين:

  1. اهتم بالسياق: أعطِ النموذج القدر الكافي والمناسب من المعلومات. هذا يأتي مع التجربة، فجرب تقسيم السياق أو زيادته أو تقليله لترى ما هو الأفضل لمشكلتك.
  2. تعامل مع النموذج كأنه إنسان: هو لا يعرف ما تفكر فيه، لذا اشرح له. وليس لديه نفس معلوماتك، لذا أعطه السياق المناسب.

عندما تجمع بين الفهم الجيد والسياق الممتاز، ستحصل على نتائج مذهلة.

شارك المقال

أحدث المقالات

CONNECTED
ONLINE: ...
SECURE
00:00:00