كيف تنتقل إلى مجال جديد دون أن تبدأ من الصفر

مرحبًا بكم في هذا المقال. منذ فترة، جاء أحد الطلاب الذين تخرجوا لدينا قبل سنتين أو ثلاث، وبعد أن لعبنا كرة القدم، جاء ليسألني سؤالاً، قال: “لقد رأيت حسابك على تليغرام ووجدتك تنشر وظائف في عالم الويب 3”.

قد لا تعرفون هذا الأمر، وهذه النقطة يمكن أن تكون مدخلاً للمبدأ نفسه الذي أتبعه.

لماذا أبني مجتمعات متخصصة؟

أولاً، أؤمن بأنني لا أستطيع أن أفعل كل شيء بمفردي، وفي المستقبل على الأغلب سأحتاج إلى الأشخاص الذين يتابعونني، وأحتاج إلى أشخاص بملف شخصي معين ومجموعة من السمات المحددة. هؤلاء الأشخاص قد يكونون موجودين على يوتيوب أو في مجتمعات أخرى، لكنني فضلت بناء المجتمعات التي أرغب في أن أكون جزءًا منها على يوتيوب وتليغرام.

قد تتساءل: لماذا ليس لينكدإن؟ الجميع يعرف قصتي مع لينكدإن؛ أنا من الأشخاص الذين لا يفضلون هذه المنصة. عدم تفضيلي لها ليس مجرد شعور شخصي، بل هو قناعة بأن هذه المنصة تحتوي على شيء غريب. دعنا من هذا، إنه تفضيل شخصي سنتحدث عنه لاحقًا، حيث أنني قد أنشأت عنه أكثر من محتوى سابقًا.

في السابق، استخدمت فيسبوك ومجموعاته، ولكني لاحظت أن كل شيء يخرج عن السياق دائمًا لأن للجميع رأيًا. لكن في منصات مثل تليغرام ويوتيوب، أنا الذي أتحدث والناس تستمع، وأنا أستمع منكم وآخذ بآرائكم فأغير وأطور، أو أكتفي بتقديم المحتوى لكم لتستفيدوا منه.

وأنا سعيد جدًا لأنه تصلني أحيانًا رسائل من أشخاص على البريد الإلكتروني. يمكن لمن يبحث عن بريدي الإلكتروني أن يجده، ولحسن الحظ هناك مجموعة من الناس لا يستطيعون إيجاده، وهذا أمر جيد. لكن من يبحث بجد سيجده. فإذا كنت جادًا في إرسال رسالة، يمكنك إرسالها إلى بريدي الإلكتروني، وأؤكد لك أنني أقرأ كل رسالة تصلني ما لم تكن بريدًا مزعجًا.

لقد أنشأت هذا النوع من المجتمعات لسبب معين. فمثلًا، هذا المجتمع هنا يتكون من مبرمجين، لكنهم مبرمجون يتمتعون بالوعي الذاتي، ولديهم أسس أخلاقية، وفي نفس الوقت، أضفنا بعض العمق للمحتوى.

أتذكر مرة أنني قرأت تعليقًا من شخص كتب: “يا أخي، لا أستطيع أن أفهمك، هل المشكلة مني أم منك؟”. أجبته: “يبدو أنها منك، فأنت لست من الجمهور المستهدف الذي يقرأ لي”. قد يكون عدد المتابعين 80 ألفًا، لكن من يقرأ بتمعن ربما 2000 أو 3000. وأؤمن أنه حتى من هؤلاء، قد لا يتجاوز من يفهم كلامي 60%، لأنني أحيانًا أتحدث في أمور عميقة. ما معنى “عميقة”؟ الناس يريدون الأمور واضحة كالأبيض والأسود، لكنني لا أعمل في هذا النطاق. أنا دائمًا أنظر إلى المنطقة الرمادية، حيث الحياة ليست مجرد 1 + 1 = 2. الحياة هي 1 زائد أشياء أخرى قد تساوي 2 وقد لا تساوي. هذه هي الجزئية التي أحاول دائمًا طرحها في هذا المنشور، ولذلك تجده يتمتع ببعض العمق، ولهذا السبب لا تجد أرقامًا كبيرة. أحاول قدر الإمكان الحفاظ على هذا المجتمع الجيد.

المجتمع الثاني الذي أنشأته هو على تليغرام. قد تستغرب أنني أنشأت قناة على تليغرام يتابعها 6000 شخص ولا أحد يعرف عنها. إنها قناة مخصصة للوظائف، وعدد متابعيها أكبر من قناتي العادية، وذلك دون أي إعلانات. لم أنشرها من قبل، ربما وضعتها فقط في ملفي الشخصي، ولأنني أستخدم تليغرام بكثافة، يدخل الناس إلى ملفي ويرون القناة فتنشر نفسها، أو ربما لأنها مُدارة بواسطة وكيل آلي (agent) يركز على نوعية الوظائف والتوجه الذي أعمل فيه.

السؤال الحقيقي: كيف أنتقل إلى مجال جديد؟

حسنًا، قد تقول إنني بدأت بالحديث عن سؤال الطالب، ثم انتقلت للحديث عن المجتمعات. لنعد خطوة إلى الوراء. كنت أتحدث عن قناة أنشأتها للوظائف. لماذا أنشأت هذه القناة؟ هي عبارة عن مجتمع يضم حوالي 6000 أو 7000 شخص، أنشر فيه وظائف معينة. هذه الوظائف هي التي كنت سأبحث عنها لو كنت أبحث عن عمل، أو هي نوعية الأشخاص الذين أبحث عنهم لو كنت أريد التوظيف.

لماذا أفعل ذلك؟ أولاً، أنا أبني جمهورًا يستعد لليوم الذي قد أبني فيه شيئًا وأحتاج فيه إلى فريق عمل. ثانيًا، وهو الأهم بالنسبة لي، أنني أستخدمها لنشر الوظائف. بوجود هذا المجتمع، أستطيع الوصول إلى ما يقارب 1000 شخص فور نشر الإعلان.

برأيي، يجب على معظمنا أن يمتلك ما يشبه “الشركة الإعلامية” الخاصة به، بحيث عندما تريد أن تفعل شيئًا، يمكنك إخبار الناس عنه. ليس بهدف إفساد الأمر عليهم بالحديث عن تطبيق يجلب المال، بل لشرح كيف يمكن أن يكون مفيدًا لهم. يجب وضع إطار للفائدة للقراء الذين ينتظرون منك كلمة.

نعود إلى سؤاله الفعلي، حيث قال: “أرى الوظائف التي تنشرها، وأشعر أنني أمتلك المهارات اللازمة لها، ولكني أرى أنني لن أُقبل. لو أجريت مقابلة مع نفسي لوظيفة في مجال الويب 3، لما قبلت نفسي”.

الخطأ الشائع في البحث عن عمل

وهنا تكمن الحيلة التي أريدكم أن تطبقوها. الكثير من الناس يبحثون عن عمل لأن عملهم الحالي ممل أو لا يدر عليهم الدخل الذي يريدونه. هم يرغبون في عمل أصعب يجلب مالاً أكثر، فهم يبحثون عن الصعوبة المقترنة بالمال. أما من يريد عملاً سهلاً، فليبحث عن أي شيء آخر. لكن العمل الصعب والمال الأكثر يعني أنك يجب أن تتعب على نفسك وتكون مستعدًا لدفع الضريبة. هذه هي الفكرة التي أكررها دائمًا: يجب أن تفهم أن الحياة ضرائب، وأنت تدفع ضريبة الآن لتحصل على شيء أعلى. هكذا هي الحياة، لا يوجد شيء مجاني. يجب التخلي عن فكرة الحصول على عمل دون مقابل والحصول على المال دون جهد، فهذه وعود غير واقعية.

الاستراتيجية الصحيحة: هندسة عكسية لمسارك المهني

فقلت له: “اسمع، لديك الآن ثلاث سنوات من الخبرة في مجال معين. كيف يمكنك أن تأخذ هذه الخبرة إلى المجال الذي تحاول التقديم له؟”.

لأعطيك مثالاً: لنفترض أنك عالم بيانات (Data Scientist) ورأيت وظيفة في مجال الويب 3 الذي تطمح للعمل به. لو أردت أن أطبق هندسة عكسية للطريقة، سأقول لك:

أولاً، يجب ألا تدخل مجال الويب 3 كمبتدئ (Junior). لا تذهب لتتعلم كل ما يتعلق بالويب 3 من الصفر لتقدم على وظيفة مبتدئ. بل يجب أن تستخدم سنوات خبرتك الثلاث كعالم بيانات لتصبح عالم بيانات في مجال الويب 3.

قد تتساءل كيف، معتقدًا أن الويب 3 لا علاقة له بمجالك. كل مجال تنتقل منه لا بد أن تجد له تقاطعًا مع المجال الجديد، وهذا التقاطع هو عبارة عن مسار عمل (Business Flow) يمكنك أن تعمل عليه يومًا ما.

مثال عملي: من الرعاية الصحية إلى البلوك تشين

بكل بساطة، تخيل أنك تعمل في شركة رعاية صحية (Health Care) تتبع بروتوكولات معينة، حيث ترسل البيانات بطريقة محددة. لنفترض أنك تريد الخروج من هذا السوق والتوجه إلى الأنظمة اللامركزية (Decentralization) مثل البلوك تشين.

أول خطوة تقوم بها هي البحث عن جميع الأوراق البحثية (Research Papers) والشركات الناشئة (Startups) في مجال تقاطع البلوك تشين مع الرعاية الصحية. ثم تقدم نفسك لهم كخبير في المجال (Field Expert) قادم من شركة رعاية صحية مركزية ويريد الانتقال إلى العالم اللامركزي.

هنا يكمن الفرق. بدلاً من أن تقدم كمطور ويب 3 مبتدئ، فإن طريقة عرضك لنفسك (Presentation) لصاحب العمل المحتمل أصبحت مختلفة تمامًا. الآن أصبح واضحًا أن هذا الشخص لا يجب وضعه في وظيفة مطور ويب 3 مبتدئ ليكتب عقودًا ذكية أو يتحقق من بعض أكواد جافا سكريبت. هذا ليس مكانك. مكانك الحقيقي هو في مجال له علاقة بالويب 3، ولكن بالاستفادة من خبرتك السابقة.

كن دائمًا مستعدًا للخطوة التالية

النقطة التي أريد إيصالها هي أنه يجب أن تسعى أولاً لتكون في مكان عمل مستقر. هذا المكان يجب أن يجعلك تدخل في حالة “التدفق” (Flow State) مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، من خلال مهمة صعبة ولكنك تستمتع بها. هذه الحالة التي تجمع بين التحدي والاستمتاع هي الطريقة التي يجب أن تعيش بها كمطور. الكثير من الناس يقولون: “لقد مللت من عملي ولم أعد أحبه”.

فكر دائمًا في خطوتك التالية. ضع هذه النقطة في اعتبارك: كنت دائمًا عندما أبدأ في شركة جديدة، أبدأ في التجهيز للشركة التي تليها. قد تتساءل: “لكنك بالكاد بدأت، لماذا تفكر هكذا؟”. لأنني أعرف أنه على الأغلب سيحدث خلاف مستقبلي مع الشركة، سواء في وجهات النظر أو أي شيء آخر. لذلك، يجب أن أجهز نفسي للخطوة التالية، وأن أكون في موقع قوة حيث لست أنا فقط من يحتاجهم، بل هم أيضًا يحتاجونني. يجب أن تشعر دائمًا في الشركة التي تعمل بها أن لك قيمة حقيقية، وأنك خبير في مجالك (Domain Expert)، وليس مجرد شخص ينفذ مهامًا بسيطة.

أستغرب كثيرًا من المطورين الذين يعملون في شركة تجارة إلكترونية (E-commerce) على سبيل المثال، ويهتمون فقط بالكود والإضافات (Plugins) والمهام المطلوبة منهم، دون أن يفكروا للحظة في دراسة مجال عمل التجارة الإلكترونية نفسه. لأنك يومًا ما قد تبني شيئًا مشابهًا، وحتى لو لم تفعل، فإن الخبرة التقنية يجب أن ترتبط بخبرة في مجال عمل معين (Business Domain). فبعد خمس أو عشر سنوات، لن تكون قيمتك في مجرد كتابة الكود، بل في تشغيل عقلك وفهمك العميق. يجب أن تكون دائمًا مستعدًا للمستقبل، وهذا الاستعداد يجب أن يكون مبنيًا على خطة.

قد تقول إن هذا الكلام كبير، وأنا أقول لك: أعد قراءة هذا المقال مرتين وثلاثًا، وركز على الجانب المهم منه لتدرك أن هذا الأمر يجب أن يكون مكتوبًا لديك، وأن تكون على دراية بما تخطط له في المستقبل.

الخلاصة

خلاصة القول: لا تبحث دائمًا عن وظيفة المبتدئين (Entry Job) التي تظن أنك تريدها. ابحث وانظر في الخبرات التي اكتسبتها سابقًا، واجعلها هي نقطة انطلاقك حتى لا تضطر للبدء من الصفر. مثال عالم البيانات يوضح الفكرة ويريك كيف يمكنك الانتقال من وظيفة إلى أخرى دون أن تخسر الخبرة التي اكتسبتها.

شارك المقال

أحدث المقالات

CONNECTED
ONLINE: ...
SECURE
00:00:00