لماذا لا توظف الشركات الخريجين الجدد؟ نظرة من الداخل

  • “عفواً يا مهندس، هل توجد فرصة عمل؟”
  • “أهلاً بك. ما هو مجال عملك؟”
  • “أنا حديث التخرج من كلية الحاسبات وأبحث عن فرصة عمل كمبرمج.”
  • “ممتاز. ما هي لغات البرمجة التي تتقنها أو الدورات التي حصلت عليها؟”
  • “في الحقيقة، ليس لدي خبرة عملية بعد. كنت أجيد المشاريع في الكلية.”
  • “إذًا أنت بدون خبرة عملية على الإطلاق. انظر، سأكون صريحًا معك، نحن لا نوظف مبتدئين حاليًا، بل نبحث عن مرشحين بخبرة سنة أو سنتين على الأقل.”
  • “ولكن لماذا؟ لماذا لا تمنحون الفرصة للخريجين الجدد؟ يمكنني العمل براتب قليل أو حتى بدون مقابل في البداية.”
  • “يا صديقي، الأمر ليس هكذا. نحن لا نوظف مبتدئين لأسباب محددة. تفضل بالجلوس، وسأشرح لك وجهة نظرنا كأصحاب عمل.”

مرحباً بالجميع، كيف حالكم؟ أتمنى أن تكونوا بخير وفي أفضل حال. اليوم، أتحدث معكم في تفصيلة صغيرة تتعلق بتوظيف الخريجين، ولماذا لا يجدون وظائف بنفس سهولة أصحاب الخبرات.

وجهة نظر صاحب العمل

منذ عام 2016 وأنا أقوم بتعيين الموظفين، سواء في عملي الخاص أو في شركات أخرى. لقد مررت بتجارب عديدة، وخلصت إلى أن فكرة تعيين موظف حديث التخرج والاعتماد عليه في مشاريع أساسية هي فكرة غير ناجحة على الإطلاق، ولا أنصح بها أي رائد أعمال يبدأ مشروعًا جديدًا، فمشاكلها كثيرة جدًا.

أنا لا أتحدث إليك الآن كمرشد أو شخص يشاركك نفس الظروف، بل أطلب منك أن تجلس في مكاني للحظة، لترى وجهة نظري، وتحاول معي إيجاد حلول. فهمك لطريقة تفكير صاحب العمل سيحدث فارقًا كبيرًا في مسيرتك المهنية.

التكلفة الخفية لتوظيف المبتدئين

عندما أوظف خريجًا جديدًا، فهو يفتقر للكثير من المهارات العملية. هذا يعني أنني سأضطر لتعليمه، وهذا يتطلب توفير دورات تدريبية والصبر عليه لمدة شهرين أو ثلاثة. بعد هذه الفترة، سيبدأ في إنتاج عمل بسيط، ولكنه سيكون مليئًا بالأخطاء التي تتطلب مني مراجعة مستمرة. بهذا، أكون قد أضعت وقتي ومجهودي في المراجعة، كل ذلك بهدف توفير المال، لأن راتبه أقل من راتب الموظف الخبير الذي سينجز العمل مباشرة.

لكن، ما نتيجة هذا التوفير؟ بعد ستة أشهر تقريبًا، يبدأ هذا الموظف بالشعور بأنه قد تعلم وأصبح جيدًا. هذا الشعور المفاجئ بعد فترة من الضياع يضعه في حالة من عدم الاتزان، تدفعه للبحث عن فرص أخرى، والجري وراء أول راتب أعلى مما تقدمه له، حتى لو كانت الزيادة 500 أو 1000 جنيه فقط.

هذه العقلية، التي تركز على الراتب فقط، خاطئة تمامًا. فالوظيفة حزمة متكاملة من المزايا. لكن للأسف، هذا هو تفكير أغلب الخريجين. سيتركك هذا الموظف بعد ستة أشهر، قبل أن تتمكن حتى من استرداد استثمارك فيه، وستضطر للبحث عن شخص آخر، وربما تكرر نفس الدورة: تعيين خريج جديد، تعليمه، ثم يتركك.

تخيل أن موظفًا قرر الرحيل فجأة بينما لديك موعد نهائي مع عميل. هل هو يدرك أنه يسبب لك مشكلة؟ هل يستوعب أنه يتسبب لك في خسارة؟ كل ما يفكر فيه هو المبلغ الإضافي الذي سيحصل عليه.

لهذا السبب، إذا كنت صاحب عمل وتفكر في التوفير، أقول لك إن هذا الطريق ليس موفرًا أبدًا. الاستثمار في شخص لديه خبرة ويفهم طبيعة العمل هو استثمار أفضل بكثير.

نصيحة للخريجين الجدد: كيف تفكر؟

أما أنت كطالب أو حديث تخرج، فعليك أن تفكر بطريقة مختلفة. الزيادة البسيطة في الراتب ليست دائمًا مكسبًا. قد تنتقل إلى شركة تقدم لك راتبًا أعلى، ولكنها قد تستغني عنك بعد انتهاء المشروع، فلا يوجد بها استقرار.

ما هو الأهم من الراتب؟

الوظيفة حزمة متكاملة. فكر في هذه العوامل:

لا تجعل الراتب هو مقياسك الوحيد، فهناك طرق كثيرة يمكن أن “تسترد” بها الشركة هذا الراتب الزائد، مثل عدم احتساب أجر العمل الإضافي.

أهمية المهارات الشخصية (Soft Skills)

نقطة أخرى يجب أن تنتبه إليها هي مهاراتك الشخصية. لا يكفي أن تكون متقنًا لمهاراتك التقنية فقط.

أنا على استعداد للاستثمار في موظف لديه بعض المشاكل التقنية، طالما أن مهاراته الشخصية ممتازة.

لا أحد سيعلمك: مسؤولية التعلم الذاتي

أرح نفسك من فكرة أن شركة ما ستقوم بتعليمك وتدريبك من الصفر. لا أحد لديه الوقت ليعلمك الأساسيات. عندما أقدم تدريبًا، أتوقع أن يكون المتدرب على دراية بالمعلومات الأساسية بالفعل، ودوري هو وضع اللمسة الأخيرة ومساعدتك على تطبيق ما تعرفه، وفي المقابل أستفيد منك.

إذا كنت سأدربك مجانًا، فمن سيخصص وقته لمراجعة مهامك وتصحيح أخطائك؟ هذا الوقت له تكلفة أيضًا. لذلك، يجب أن تأتي وأنت متعلم بالفعل حتى أتمكن من إفادتك.

أعلم أن هذا الكلام قد يزعج البعض، لأنهم لم يجلسوا في مقعد صاحب العمل. من جرب إدارة الفرق سيفهم ما أقوله. لقد ترددت كثيرًا قبل طرح هذا الموضوع، خشية أن يُساء فهمي. لكن هدفي هو أن أجعلك تعيش معي نفس الواقع، لتفهم كيف تسير الأمور، وبالتالي تتخذ قرارات أفضل في مسيرتك المهنية.

عندما تأتيك فرصة عمل جديدة، ستعرف متى تمشي ومتى تبقى، ولن يكون قرارك مبنيًا على زيادة بسيطة في الراتب. ستفهم أنه لا أحد سيعلمك، فتبدأ بالتعلم الذاتي من الآن، ولا تنتظر التخرج على أمل أن تجد شركة تعلمك. هذا لن يحدث. كل شركة تريد أن تستفيد منك، ولكي تستفيد منك، يجب أن تكون متعلمًا ومستعدًا.

أنصحك أيضًا ببناء مشاريع عملية. في مقال سابق، تحدثنا عن خمسة مشاريع يمكنها أن ترفع من مستوى خبرتك بشكل كبير وتجعلك تدخل الشركة وأنت تمتلك خبرة حقيقية، وليس مجرد معرفة نظرية. هذا هو ما أريدك أن تفعله: اكسر الحاجز بين الدراسة وسوق العمل.

رسالتي في الحياة هي سد هذه الفجوة التي يتسبب في ضياع الكثير من المواهب. طلاب كثر يتركون كليات الحاسبات بسبب هذه الفجوة، ومبرمجون كثر يتوقفون عند مرحلة التعلم ولا يدخلون سوق العمل. أريد أن أكون صريحًا معك، لا أريد أن أرسم لك صورة وردية كما يفعل الكثيرون. مصلحتي الوحيدة هي أن أنصحك لمصلحتك، وأوضح لك الخطوات الأساسية لتجد فرصة عمل حقيقية.

نصيحة أخيرة لأصحاب العمل والخريجين

نصيحة خالصة، الدراسة والكلية شيء، وسوق العمل شيء مختلف تمامًا. عقلية صاحب العمل الذي يبني فريقًا تختلف عن عقليتك. افهم هذه العقلية لتستفيد منها.

بهذا، تكون الشركة قد قامت بدورها، والموظف أيضًا. إذا لم يلتزم هو، يطبق الشرط الجزائي. لا تذهب لشركة تنوي تركها بعد فترة قصيرة، فالخاسر هو الطرفان.

كان هذا كل ما أردت قوله. لقد تحدثت معكم بقلب مفتوح وبدون نص مسبق. إذا كان لدى أي منكم حلول أخرى، فشاركونا بها في التعليقات.

نلتقي في مقال قادم.

شارك المقال

أحدث المقالات

CONNECTED
ONLINE: ...
SECURE
00:00:00