نصائح وأخطاء تعلمتها في رحلتي البرمجية

في عام 2018 كانت بداية احتكاكي بمجال البرمجة، وكانت تلك أول محاولة لي لتعلم البرمجة والعمل فيها. خلال تلك الفترة، كنت أخطط كثيرًا وأصحح مساري بشكل كبير، وأغير خططي وأحاول بطريقة ما أن أستفيد من هذه الرحلة وأصل إلى أفضل نتيجة ممكنة. ورغم أنني مسرور بهذه الرحلة، إلا أنني ارتكبت أخطاء لم أكن أتمنى أن أرتكبها، لأنها كانت ستحدث فرقًا كبيرًا معي، وغالبًا كنت سأكون في مكان أفضل لو لم أرتكب تلك الأخطاء. وبما أن المجهود قد بُذل على أي حال، فمن الجيد أن يكتسب المرء المعرفة التي تجعله يتجنب الأخطاء التي وقعت فيها. في هذا المقال، سأتحدث معك عن أخطاء يجب عليك تجنبها إذا كنت تفكر في تعلم البرمجة أو تعمل بالفعل في هذا المجال.

1. لا تقارن نفسك بأحد

أول نصيحة بكل بساطة هي ألا تقارن نفسك بأحد. عندما بدأت تعلم البرمجة، وكان قد مر بالكاد أسابيع قليلة، وكنت أقوم بتطبيقات بسيطة جدًا وأنجزها بصعوبة شديدة، تفاجأت بمنشور لشخص على فيسبوك يعلن فيه عن إنشاء نظام أو تطبيق كبير. كان التطبيق معقدًا ومستخدمًا فيه أكثر من تقنية وإطار عمل ولغة برمجة معًا. في ذلك الوقت، عندما قارنت نفسي به، شعرت بإحباط شديد جدًا وقلت إنه من المستحيل أن أصل إلى المستوى الذي وصل إليه أبدًا، لأنه كان هناك فرق كبير بيننا؛ بين شخص أنجز شيئًا ضخمًا وشخص لا يزال في البدايات. حينها، كان شعور العجز والفشل والإحباط يلازمني.

إلا أن هناك نقطة صغيرة كانت هي الفيصل بالنسبة لي في هذا الموضوع، ولم أفهمها إلا بعد سنوات، وهي بكل بساطة:

لو رأيت شخصًا وصل إلى مستوى مهارة معين أو حقق إنجازًا معينًا في عدد معين من السنوات، امنح نفسك نفس عدد السنوات أولاً، ثم احكم على فشلك أو نجاحك.

لأنني أعتقد أنه بعد ثلاث سنوات من ذلك الموقف، أصبحت قادرًا على إنشاء تطبيقات كبيرة مثل التي كان يقوم بها. الفكرة بشكل واقعي بالنسبة لي هي أن الشخص الوحيد الذي يجوز لك أن تقارن نفسك به هو نفسك كل فترة. هل مستواك هو نفسه منذ شهر؟ هل هو نفسه منذ سنة؟ إذا كان هناك تطور، فمبارك لك، أنت تنجح. أما إذا كنت تقف في مكانك ولا يوجد جديد، فهنا تكمن المشكلة. لكن مقارنة نفسك بشخص آخر هو ظلم لنفسك، لأن قدراتنا وإمكانياتنا مختلفة.

في ذلك الوقت، عندما بدأت، كان لدي حاسوب محمول أقل ما يقال عنه إنه متواضع. لقد ندمت على بيع ذلك الحاسوب لأنه كان جزءًا من رحلتي، وكنت ممتنًا له لأنه ساعدني لاحقًا في شراء حاسوب آخر، ثم شاشة، ثم حاسوب مكتبي، حتى تمكنت من الوصول إلى إعداد جيد. خلاصة هذه النقطة هي أن أي خبرة أو أي شيء يُبنى على مدى من الزمن بمجهود قد لا تكون تقيمه بشكل جيد، لأن الناس في النهاية يرون النتيجة، لا المجهود الذي بُذل.

2. ركز في مجال معين

النصيحة الثانية التي كنت سأقدمها لنفسي لو بدأت من جديد هي أن أركز في مجال معين. عندما بدأت تعلم البرمجة، سمعت عن فكرة تطوير تطبيقات سطح المكتب، فذهبت لتعلم لغة جافا لأعرف كيف أصنع البرامج. حرفيًا، كرهت نفسي وكرهت التكنولوجيا والكمبيوتر والإنترنت وكل شيء، لأنني لم أفهم أي شيء.

بعد بعض الأحداث، قررت تغيير المسار ودراسة تطوير الواجهات الخلفية (Back-end). لكن المشكلة كانت أنني عندما ذهبت لدراسة الواجهات الخلفية، وجدت نفسي أتعامل مع أكواد لا أفهمها، أشياء تسمى HTML و CSS. لم أكن أفهم ما هذا، كنت أقرأ الكود ولا أستوعب ما يحدث أو ما يفعله.

<!-- مثال على كود HTML بسيط -->
<!DOCTYPE html>
<html>
<head>
    <title>صفحة بسيطة</title>
    <link rel="stylesheet" href="style.css">
</head>
<body>
    <h1>مرحبًا بالعالم!</h1>
    <p>هذه فقرة في صفحتي.</p>
</body>
</html>
/* مثال على كود CSS بسيط */
body {
    font-family: sans-serif;
    background-color: #f0f0f0;
}

h1 {
    color: #333;
}

وجدت أنه يجب عليّ أن أعود خطوة إلى الوراء وأدرس تطوير الواجهات الأمامية (Front-end). أحببت الواجهات الأمامية وواصلت فيها، وبعدها، عندما شعرت أنني أقف على أرض صلبة، انتقلت إلى الواجهات الخلفية. ثم تعلمت تطوير تطبيقات الموبايل باستخدام Flutter، ورغم أنني لم أمنحه وقتًا كافيًا ولم أعمل به، وجدت لاحقًا أنني أحب فكرة تطوير الألعاب، ثم تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي، وهكذا.

كان الصواب هو أن يُستثمر كل الوقت والمجهود بتركيز في شيء واحد. هذا التشتت سيُحسب عليك بعد سنوات. لو ركزت في شيء واحد، ستتمكن من الوصول فيه إلى مستوى جيد. ما عرفته مع الوقت هو أن أفضل مجال هو المجال الذي يمكنك إتقانه والعمل فيه بشكل احترافي، لأن هذا هو المجال الذي سيمكنك من دخول شركات جيدة والترقي فيها.

3. اعمل في شركة قبل العمل الحر

النصيحة الثالثة التي لم أعمل بها: العمل الحر في البرمجة جيد جدًا، والمجال نفسه مطلوب وبه الكثير من الفرص. لكن إذا كنت تنوي أن تسلك طريق العمل الحر، حاول في البداية أن تعمل في شركة.

في بداياتي، كنت قلقًا من التقديم للشركات لأنه لم تكن لدي ثقة كبيرة في نفسي، وفي نفس الوقت لم أكن أعرف كيف أكتب سيرة ذاتية (CV) ولم تكن لدي الهمة لتعلم ذلك، مع أن الموضوع كان سهلاً جدًا. كما أن فكرة دخول مقابلة عمل وأن يسألني أحدهم كانت تسبب لي نوعًا من الرهاب، وكنت أشعر أنها مثل الاختبار. كانت حواجز نفسية صغيرة منعتني من التقديم للشركات.

في المقابل، عندما اتجهت إلى العمل الحر، وجدت أنني موفق فيه وأعرف كيف أتحدث مع العملاء، وأحلل المشاكل، وأعرض الحلول، وأتفاوض. ورغم أنني خلال مسيرتي المهنية تمكنت من دخول أكثر من شركة جيدة، إلا أنني لم أكمل فيها، وهذا ببساطة لأن العمل الحر يمنحني مرونة ويشعرني بأنني المدير، مما يعطيه طعمًا مختلفًا عن كونك موظفًا في شركة.

إذا كنت تخطط للعمل الحر وتمكنت من دخول شركة في البداية، فسيكون هذا أفضل لك. ستتعلم أشياء قد تفيدك حتى في العمل الحر بشكل كبير.

4. تواجد على وسائل التواصل الاجتماعي واصنع محتوى

هذه النقطة أعتبرها ذهبية، وكانت محور تغير كبير في حياتي المهنية. لو كنت سأنصح نفسي في البداية، كنت سأنصحها بأمرين:

الأول: يجب أن تكون متواجدًا على وسائل التواصل الاجتماعي، سواء كان فيسبوك أو المنصات الاحترافية مثل LinkedIn. للأسف، اتخذت هذه الخطوة متأخرًا وندمت عليها. يجب أن يكون لك دور، وأن تشارك ما تتعلمه، وتتفاعل مع الناس، وتوسع دائرة معارفك وعلاقاتك. هذا الأمر يحسن فرصك في العثور على عمل، وفي نفس الوقت يجعل متابعة الأحداث والتطورات الجديدة أسهل. أرشح لك LinkedIn بشكل كبير، ففيسبوك مكان عشوائي وغير احترافي.

الثاني: كنت سأقوم بصناعة المحتوى. صدقني، صناعة المحتوى تخرجك من المنافسة وتوفر عليك وقتًا كثيرًا. ببساطة، صناعة المحتوى تضعك في مكانة مختلفة تمامًا عن الآخرين في مجالك. عندما تصنع محتوى ويراه الناس، فإنك تظهر لهم كخبير يشارك معلوماته ويفيدهم، وبالتالي يرغبون في العمل معك، وغالبًا هم من يبحثون عنك لعرض الفرص عليك. صناعة المحتوى تجعلك دائمًا على اطلاع بكل ما هو جديد لتتمكن من التحدث عنه، وفي نفس الوقت، عندما تشارك المعلومات التي اكتسبتها، فإنك تثبتها لديك. فوائد هذا الأمر كثيرة حقًا.

5. لا تتوقف عن التعلم

هذه نقطة أرى الكثير من الناس يقعون فيها، وللأسف وقعت فيها في فترة من حياتي وندمت عليها جدًا، وهي أن تمضي فترة من حياتك دون أن تتعلم شيئًا جديدًا. في الغالب، يتعلم الناس حتى يصلوا إلى نقطة معينة تؤهلهم للعمل، وبعد ذلك يصبح كل تركيزهم منصبًا على العمل، ولا يتعلمون إلا الأشياء التي يحتكون بها في وظائفهم أو المشاكل الجديدة التي تواجههم. حينها، يتعلمون فقط ما يكفي لتجاوز تلك العقبة في العمل وتسليم المشروع.

هذا الأمر خطير جدًا، لأن توقفك لا يعني أنك لا تتراجع، فالمجال والعالم من حولك يتحركان إلى الأمام. وكونك تقف عند مستوى خبرة معين والمنافسة فيه مرضية لك، فمع الوقت سيصل آخرون إلى نفس مستواك وستصبح المنافسة فيه عالية. الوقت الذي تقضيه في العمل هو لمصلحة العمل، لكن الوقت الذي تقضيه في التعلم هو لمصلحتك، وهو الذي سيجعلك تتطور وتتقدم. حل هذا الأمر هو أن يكون للإنسان هدف، سواء كان هدفًا مهنيًا كأن يطمح للعمل في شركة أو منصب معين، أو هدفًا ماديًا يسعى وراءه.

6. استثمر في كرسيك ومارس الرياضة

أتذكر هذه النصيحة جيدًا. ذات مرة، آلمني ظهري بشدة، وكان ألمًا لا يطاق. كانت تلك هي اللحظة الفارقة التي قررت فيها أن أستثمر في كرسي جيد أيًا كان ثمنه. كان هذا استثمارًا لم أندم عليه أبدًا. ما حفزني أكثر هو أنني قابلت في إحدى فعاليات الشركات شخصًا لا يستطيع العمل إلا وهو جالس على السرير، وممنوع عليه الجلوس على الكراسي بسبب تهتك عضلات ظهره. كان هذا الوضع مخيفًا بالنسبة لي، لأنه لا يوجد شيء يضاهي الصحة.

لا أقول لك أن تبدأ بأفضل كرسي في العالم، ابدأ بأي كرسي متاح لك، ولكن في أقرب فرصة، استثمر في كرسي جيد. واستخدم المورد المجاني المتاح لك: تمشَّ يوميًا أو مارس الرياضة أو اركض. هذا الأمر ينشط عقلك وذهنك، وفي نفس الوقت تحافظ به على جسدك.

7. اجعل هدفك أن تكون أفضل، وليس كسب المال

النصيحة الأخيرة، وصدقني لو عملت بها لن تندم. البرمجة مجال طويل وممل بعض الشيء. بعد فترة، وجدت أن هناك مجالات أخرى يمكن للشخص دخولها والعمل فيها بشكل جيد. لكن البرمجة من المجالات التي تحتاج إلى خبرة وصبر.

اجعل هدفك أن تتعلم جيدًا وأن تستثمر وقتًا في تطوير مهاراتك. اجعل هدفك أن تكون أفضل، وليس أن تكسب المال.

إذا جعلت هدفك أن تكون أفضل، فهذا سيشجعك ويحفزك على أن تتعلم أكثر، تتدرب أكثر، تجرب أشياء مختلفة، وتعمل في مشاريع متنوعة لتتعرض لأفكار مختلفة، مما سيحسن مهاراتك وقدراتك. وبالتالي، ستتمكن من دخول شركات أفضل والتعامل مع عملاء أفضل في مشاريع أفضل، مما سيؤدي إلى حصولك على مقابل مادي أفضل.

لكن إذا جعلت هدفك هو المال فقط، فغالبًا ستتهاون في عملك، وستقدم عملاً سيئًا، ولن يكون لديك الصبر للعمل على مشاريع كبيرة أو حل المشاكل بأفضل طريقة ممكنة. ستكون فقط تريد إنجاز أي شيء لتسليم العمل. وبما أنك لا تسعى للتطور، فلن تطور من نفسك.

إذا جعلت هدفك هو تحسين مهاراتك وتطوير نفسك، ستجد أن النقاط التي تحدثنا عنها يسهل تنفيذها، سواء كانت الاستمرارية في التعلم أو التركيز في مجال واحد. ستجد أن كل ما تحدثنا عنه يترابط معًا لتخرج بنتيجة جيدة.

أتمنى أن يكون هذا المقال مفيدًا لأحدكم، وأن تساعده هذه النقاط على تغيير شيء ما أو تحسين جانب من حياته. لقد كنت أتمنى حقًا أن أتجنب هذه الأخطاء في وقت مبكر، ولكن على كل حال، صدق الإنسان يكمن في تطبيقه للمعرفة في المستقبل، وليس في الندم على الماضي.

شارك المقال

أحدث المقالات

CONNECTED
ONLINE: ...
SECURE
00:00:00