أهلاً بك. “لقد بدأت تعلم البرمجة، لكنني لا أعرف كيف أدرسها بفاعلية.” هذه جملة نسمعها كثيراً من الطلاب، الخريجين، وحتى الأشخاص الذين يعملون في مجالات أخرى ويحاولون تعلم البرمجة من الصفر. المشكلة هنا ليست في الدورات التعليمية؛ فالدورات والمحتوى متوفران والإنترنت مليء بهما. المشكلة تكمن دائماً في الطريقة التي ندرس بها. إذا كنت تفتح الدورة التعليمية، تكتب الكود كما هو، ثم تغلق جهازك، فللأسف، أنت لا تدرس البرمجة، بل تقوم فقط بالتقليد دون أن تستوعب المعلومة.
في هذا المقال، سأخبرك بأفضل طريقة علمية وعملية لدراسة البرمجة. سنعتمد على بعض الاستراتيجيات المثبتة وسنرى كيف تجعل عقلك يفهم ويستخدم الكود فعلياً، وليس فقط يحفظه.
أولاً: افهم الكود، لا تحفظه
البرمجة ليست شيئاً يُحفظ، بل هي منطق يجب أن يُفهم. ما يجعل الكثيرين يفشلون في البداية هو أنهم يتعاملون مع الكود كنص يجب حفظه، لكن في الحقيقة، الكود يُفهم ويُحلل.
سأعطيك مثالاً بسيطاً: إذا كان لديك كود يحسب المتوسط بين ثلاثة أرقام، بدلاً من حفظه، اسأل نفسك:
- من أين يبدأ هذا الكود؟
- كيف يخزن هذه الأرقام؟
- ماذا سيحدث لو أعطيته أربعة أرقام بدلاً من ثلاثة؟
يجب أن نفهم المنطق لنتمكن من بناء برامج مختلفة باستخدام نفس المبدأ ولكن بكود مختلف.
نصيحة: عندما تشاهد شرحاً، جرب أن ترسم منطق البرنامج على ورقة قبل كتابة الكود. استخدم قلماً وورقة لرسم خطوات البرنامج. هذه الطريقة تُعرف باسم المخطط الانسيابي (Flowchart) أو الكود الزائف (Pseudocode)، وهي تساعدك على التفكير كمبرمج حقيقي.
مثال على الكود الزائف لحساب المتوسط:
1. ابدأ
2. عرّف المتغيرات: num1, num2, num3, average
3. اقرأ قيم num1, num2, num3
4. احسب المتوسط: average = (num1 + num2 + num3) / 3
5. اطبع قيمة average
6. انتهِ
مثال على الكود بلغة JavaScript:
function calculateAverage(num1, num2, num3) {
// حساب المجموع
const sum = num1 + num2 + num3;
// حساب المتوسط
const average = sum / 3;
// إرجاع النتيجة
return average;
}
// استدعاء الدالة وطباعة النتيجة
const result = calculateAverage(10, 20, 30);
console.log(result); // الناتج سيكون 30
ثانياً: تعلم بطريقة “افعلها بنفسك”
الفرق بين من يشاهد فقط ومن ينفذ هو التطبيق الفعلي. أغلب من يشاهدون الشروحات يشعرون بأنهم فهموا، لكن بمجرد إغلاق الشرح، ينسون كل شيء. هذا يحدث لأن الفهم بدون تطبيق هو ما يسمى بـ “وهم المعرفة”؛ حيث يشعر عقلك بأنه فهم، لكنه لم يجرب استخدام المعلومة في تطبيق عملي.
الحل هو أنه بمجرد أن ترى كوداً، أوقف الشرح، افتح محرر الأكواد الخاص بك، واكتب ما تم شرحه بطريقتك الخاصة. ارتكب أخطاء وحاول مراراً وتكراراً، فمرة تلو الأخرى ستتعلم من أخطائك.
ثالثاً: قسم وقتك بين ثلاثة محاور رئيسية: التعلم، التطبيق، والمراجعة
دراسة البرمجة يجب أن تكون متوازنة بين هذه المحاور الثلاثة:
- التعلم: مشاهدة الدروس، قراءة المقالات، ومتابعة الدورات التعليمية من أي مصدر تتعلم منه.
- التطبيق العملي: يتزامن مع التعلم، ويشمل حل المشكلات، كتابة الأكواد، وإنشاء المشاريع الصغيرة.
- المراجعة: مراجعة الأكواد القديمة، فهم أخطائك، ومحاولة تحسين الحلول. لا تكتفِ بأنك حللت المشكلة، بل عد بعد فترة وحسّن الحل. فمن الطبيعي أن تتطور معرفتك بمرور الوقت، مما يمنحك أفكاراً لحلول أفضل.
نموذج أسبوعي مقترح للدراسة:
- 3 أيام: تعلم.
- يومان: تطبيق عملي.
- يوم واحد: مراجعة وتدوين الملاحظات.
- يوم واحد: راحة.
يمكنك اتباع هذه الاستراتيجية لمدة أسبوع أو أسبوعين لترى إن كانت تناسبك. لا تقسم وقتك بناءً على مزاجك، بل بناءً على النتائج التي تريد تحقيقها ووقت فراغك.
رابعاً: اعمل على مشاريع واقعية
التطبيق هو ما يخلق المبرمج. التمارين جيدة، لكن المشاريع تجعل عقلك يفكر بواقعية. قد تسأل: “ماذا يعني مشروع؟” أي فكرة بسيطة تحل بها مشكلة معينة تعتبر مشروعاً.
أمثلة على مشاريع بسيطة:
- صفحة تعريفية شخصية (Portfolio).
- آلة حاسبه باستخدام JavaScript.
- برنامج لإدارة المهام (To-do list) باستخدام أي تقنية تتعلمها.
كل مشروع جديد يعادل مهارة جديدة. كما أن المشاريع هي أفضل وسيلة لعرض عملك إذا كنت تبحث عن وظيفة.
خامساً: استخدم منصات حل المشكلات
مواقع مثل HackerRank، LeetCode، وCodeWars تجعلك تحل مشكلات برمجية حقيقية وتدرب عقلك. حاول أن تختار مشكلتين أو تحديين كل أسبوع وتتعامل معهما كواجب منزلي. بعد فترة، سيصبح هذا الأمر عادة لديك وستشعر بفرق كبير جداً.
سادساً: أنشئ دفتر ملاحظات لأكوادك
تماماً كما كنا نكتب الملخصات في الماضي، يجب أن تنشئ دفتراً لأكوادك. ليس شرطاً أن يكون ورقياً؛ يمكنك استخدام أدوات وتطبيقات مثل Notion، Google Docs، أو حتى إضافات (extensions) في Visual Studio Code.
دوّن الكود الذي كتبته ونجح في العمل، واكتب شرحاً عن سبب كتابته بهذه الطريقة، الفكرة منه، الأخطاء التي واجهتها، وكيف قمت بحلها. فائدة هذا الأمر هي أنك عندما تنسى شيئاً، لن تضيع وقتك في البحث من جديد، بل ستجده في دفترك.
وأخيراً
البرمجة سباق، ومن يقارن نفسه بالآخرين يخسر. أنت تتعلم بسرعة استيعابك، وليس بسرعة استيعاب غيرك. قد يأخذ شخص دورة في أسبوع وينسى كل شيء بعدها، بينما يأخذ شخص آخر نفس الدورة في شهر ويخرج منها بفهم ووعي كاملين.
امشِ على خطة ثابتة، تدرب كل يوم، حتى لو لساعة واحدة فقط. كل كود تكتبه هو استثمار في مستقبلك. لا يوجد طريق سحري، بل توجد طريقة صحيحة، ومن يمشي عليها يصل أسرع، حتى لو كان يسير ببطء. ابدأ اليوم، خطط، ادرس، طبق، ودوّن كل شيء كما ذكرت لك.
وتذكر دائماً: المبرمج ليس من يحفظ الكود، المبرمج هو من يحل المشكلات.