هل سيقضي الذكاء الاصطناعي على المبرمجين؟ وكيف تستعد للمستقبل؟

تسود حالة من التوتر والخوف من المستقبل لدى شريحة كبيرة جدًا من الأشخاص الذين يعملون في مجالات التكنولوجيا المختلفة، لا سيما هندسة البرمجيات. ولا يمكننا أن نلوم أي شخص لديه هذا التخوف، والسبب الرئيسي في ذلك هو الشبح الكبير الذي يلوح في الأفق، وهو الذكاء الاصطناعي (AI).

أعلم أن هناك الكثير من الحديث الذي دار حول هذا الموضوع، والعديد من الآراء التي يتم تداولها على الإنترنت وفي المنصات المختلفة. لكن في هذا المقال، أريدك أن تأخذ نفسًا عميقًا معي، ودعني أوضح لك في أي جزئية بالضبط سيحدث التغيير، والأهم من ذلك، كيف تستعد له. هذا هو صلب موضوع هذا المقال. لندخل في صلب الموضوع مباشرة.

هل سيستبدلني الذكاء الاصطناعي؟

أكبر تخوف موجود لدى الناس حاليًا هو فكرة: هل سيستبدلني الذكاء الاصطناعي أو يأخذ مكاني ويقطع سبل رزقي؟

بدايةً، يجب أن تفهم أن إجابة هذا السؤال تختلف من شخص لآخر. هل الشخص الذي يجيب على السؤال مبتدئ يستكشف المجال وليس لديه الصورة الكاملة، أم هو شخص متمرس في المجال منذ فترة ويمكنه قراءة ما بين السطور؟

نظرة المبتدئ: في حالة الشخص المبتدئ، يمكننا أن نفترض أنه لا يعرف عن المجال سوى كتابة الأكواد أو تعلم مكتبة برمجية معينة. هذه الأمور، على الرغم من أهميتها، أصبحت النماذج التوليدية للذكاء الاصطناعي، مثل ChatGPT، قادرة على القيام بها الآن. قد لا تكون النتيجة مثالية، لكن هذه الأنظمة تتطور يوميًا. لذا، سينظر أي مبتدئ إلى هذه الأنظمة ويقول: “إنها تفعل ما أفعله الآن وبشكل أفضل، فما هي فائدتي؟”. هذه هي النظرة العامة للشخص المبتدئ.

نظرة الخبير: أما إذا كان الشخص يعمل في المجال منذ فترة، وخصوصًا إذا كان قد بنى منتجًا من الصفر يقدم قيمة حقيقية لمجموعة من الناس، فسيكون لديه إجابة مختلفة تمامًا. سيكون لديه تساؤلات كثيرة، على سبيل المثال:

أي شخص عمل على منتج حقيقي، خاصة من بدايته، يفهم جيدًا أننا نقضي معظم وقتنا كمهندسي برمجيات في الإجابة على هذه الأسئلة. كتابة الكود جزء أساسي، لكنها قد لا تتجاوز 20% أو 25% من إجمالي المجهود. مهندس البرمجيات مسؤول عن تصميم النظام، وتحديد الميزات المطلوبة، وسبب الحاجة إليها، والوقت اللازم لتنفيذها، والميزانية المتاحة، والعديد من العوامل الأخرى.

بناءً على ذلك، من المستبعد تمامًا أن يستبدلك الذكاء الاصطناعي بالكامل. في أسوأ الأحوال، سيساعدك في عملك، وهذا ما سنتحدث عنه في الجزء التالي.

ما الذي سيتغير حقًا في هندسة البرمجيات؟

ببساطة، الشيء الوحيد الذي سيتغير هو المهارات المطلوبة.

لأوضح هذه النقطة، دعني أحكي لك عن بداية رحلتي في تعلم البرمجة منذ حوالي 12 عامًا. عندما بدأت، كنت مهتمًا بتطوير واجهات الويب الأمامية (Frontend). كلما سألت شخصًا ذا خبرة، كان يقول لي إن عليّ إتقان HTML وCSS تمامًا، ثم تعلم أساسيات JavaScript ومكتبة jQuery. وبالفعل، تمكنت من دخول المجال والحصول على أول وظيفة لي بهذه المهارات.

الآن، بالانتقال سريعًا من عام 2013 إلى وقتنا الحاضر، المهارات التي كنت أمتلكها آنذاك يستحيل أن توفر لي وظيفة اليوم، حتى في شركة صغيرة. المشكلة ليست في شخصي، بل في أن متطلبات المجال تغيرت. أصبحت هناك حاجة إلى مهارات أخرى، أكثر تعقيدًا بالضرورة، لأن التكنولوجيا تطورت بصورة هائلة. كان دوري هو مواكبة هذا التطور لأبقى مستمرًا في المجال.

هذا السيناريو ينطبق تمامًا على تأثير الذكاء الاصطناعي في هندسة البرمجيات.

التكيف هو مفتاح النجاة

يمكن تعميم هذا المبدأ على سلوك البشرية بأكملها خلال الـ 150 عامًا الماضية.

جوهر الأمر هو كيفية التكيف مع هذه التغييرات. ولحسن حظنا كبشر، نحن ملوك التكيف. إذا كنت تعمل أو ترغب في العمل في مجال هندسة البرمجيات، فالتغيير قادم لا محالة.

5 مهارات أساسية للمستقبل

إليك المهارات التي يجب أن تتقنها تمامًا كما تتقن الأكل والشرب:

1. أساسيات الذكاء الاصطناعي (AI Fundamentals) الذكاء الاصطناعي مجال واسع جدًا، ولكن هناك مفاهيم أساسية يجب أن تكون لديك بغض النظر عن تخصصك:

2. تحليل البيانات (Data Analysis) كما قال أحد العظماء: “البيانات هي نفط القرن الحادي والعشرين”. من المهم جدًا أن تفهم كيفية تحويل البيانات الأولية إلى معلومات يمكن استخدامها في صناعة القرار أو التنبؤ بالمستقبل. تعلم أساسيات استكشاف البيانات، وتنظيفها، وتحليلها، واستخلاص الرؤى منها.

3. حل المشكلات (Problem-Solving) مع وجود الذكاء الاصطناعي، أصبحت جزئية “كيف” نفعل شيئًا ما هي الأسهل. التحدي الحقيقي، الذي ستبقى أنت مهيمنًا عليه كإنسان، يكمن في الإجابة على سؤالين:

4. التحدث مع نماذج الذكاء الاصطناعي (Prompt Engineering) تعلم كيفية التحدث مع النماذج التوليدية مثل ChatGPT وGemini. هناك الآن علم يسمى “هندسة الأوامر” (Prompt Engineering) يعلمك كيفية صياغة أسئلتك وطلباتك بشكل صحيح للحصول على أفضل النتائج. لا تنظر إلى هذه النماذج على أنها ستجعلك كسولًا؛ بل استخدمها كأداة، تمامًا مثل الآلة الحاسبة التي لا تجعل مستخدمها أقل ذكاءً.

5. الأمن السيبراني (Cybersecurity) لطالما كان الأمن السيبراني موضوعًا مهمًا، ومع الذكاء الاصطناعي، ستزداد أهميته. نماذج الذكاء الاصطناعي قادرة على توليد بيانات من الصفر، مما قد يؤدي إلى ظهور ثغرات أمنية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استغلال قوة هذه النماذج في أنشطة ضارة أو غير قانونية. لذلك، يجب أن تكون لديك أساسيات الأمن السيبراني بغض النظر عن تخصصك.

خلاصة

أردت أن أتحدث عن هذا الموضوع بشكل عملي ومباشر، دون مبالغة درامية أو تبسيط مخل. في النهاية، نحن من صنعنا الذكاء الاصطناعي، ونحن من سنستمر في تطويره. لذلك، يجب أن نتأقلم مع التغييرات التي تأتي معه؛ ليس لدينا خيار آخر.

نأمل أن يكون هذا المقال قد قدم الفائدة المرجوة. إلى اللقاء في مقالات قادمة.

شارك المقال

أحدث المقالات

CONNECTED
ONLINE: ...
SECURE
00:00:00