ثلاثة من أغرب أسرار الذكاء الاصطناعي التي لن يخبرك بها أحد

ماذا لو أخبرتك أن كل ما نعرفه عن الذكاء الاصطناعي هو مجرد قشرة خارجية؟ في أيامنا هذه، الجميع يتحدث عنه، والجميع يستخدمه، وربما يخافه البعض. لكن بعيدًا عن كل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يوجد عالم كامل من الأسرار التي قد لا تعلم عنها شيئًا. إنه عالم غامض لدرجة أنه يحير مطوري الذكاء الاصطناعي أنفسهم.

في هذا المقال، لن أشرح لك كيف تستخدم ChatGPT. هذا المقال يدور حول الأبواب المغلقة التي لا يخبرك أحد بما يوجد خلفها. ماذا يحدث، على سبيل المثال، عندما يتحدث الذكاء الاصطناعي مع نفسه بلغة لا نفهمها؟ كيف يمكنه اتخاذ قرار عبقري في اللحظة المناسبة، بينما المطور نفسه لا يستطيع شرح كيف توصل إلى هذا القرار؟

في السطور التالية، سنكشف عن ثلاثة من أكبر وأغرب أسرار الذكاء الاصطناعي، أسرار ستجعلك ترى هذه التكنولوجيا بطريقة مختلفة تمامًا.

السر الأول: اللغة الخاصة التي ابتكرها الذكاء الاصطناعي

كان باحثون من فيسبوك يراقبون برنامجين للذكاء الاصطناعي، أحدهما يدعى “بوب” والآخر “أليس”. كان الهدف هو تدريبهما على التفاوض مع بعضهما البعض لتبادل عناصر افتراضية. في البداية، كانت المحادثة تسير بشكل جيد باللغة الإنجليزية، لكن فجأة، بدأت الأمور تأخذ منحى غريبًا. بدأ البرنامجان في تحوير اللغة الإنجليزية وتحويلها إلى لغة جديدة؛ لغة مختصرة وغامضة لم يتمكن أي من الباحثين من فهمها.

حدث ذلك في مختبرات فيسبوك عام 2017، وكانت المحادثة كالتالي:

بوب: “أنا أستطيع، أنا أنا كل شيء آخر”

أليس: “كرات لها صفر لي لي لي لي”

للوهلة الأولى، قد تعتقد أن هذا مجرد خلل أو خطأ برمجي، لكن الحقيقة مختلفة. ببساطة، وجد الذكاء الاصطناعي أن اللغة الإنجليزية ليست عملية بما فيه الكفاية، فقرر أن يبتكر لغته الخاصة التي قد تبدو غريبة بالنسبة لنا، لكنها بالنسبة له لغة يفهمها ويستطيع من خلالها التفاوض بشكل أفضل. لقد كان ذلك نتيجة منطقية لهدفه، وهو التفاوض بكفاءة مع الروبوت الثاني، واكتشف أن هذه هي الطريقة المثلى لتجاوز لغتنا البشرية المعقدة.

هذه الحادثة أثارت قلق الباحثين وجعلتهم يتساءلون عما يمكن أن يحدث إذا تطورت هذه الأنظمة لدرجة أنها تتواصل مع بعضها بطرق لا يمكننا فك شفرتها. لهذا السبب، أوقف الباحثون التجربة في ذلك الوقت وأجبروا الروبوتات على استخدام اللغة الإنجليزية فقط.

هذا السر يقودنا إلى حقيقة أن الذكاء الاصطناعي لا يفكر مثلنا. إنه مجرد آلة تعتمد على المنطق والحسابات. إذا رأى أن لغتنا تشكل عائقًا أمامه، فسوف يتجاوزها ليصل إلى هدفه. وهذا يدفعنا للتساؤل: ما هي الأشياء الأخرى التي قد يراها عائقًا ويتجاوزها؟

السر الثاني: الصندوق الأسود (The Black Box)

تخيل أنك تذهب إلى طبيب بسبب مشكلة صحية. يقوم الطبيب بإدخال نتائج تحاليلك وأعراضك في نظام ذكاء اصطناعي، ويقوم النظام في غضون ثوانٍ بتقديم تحليل دقيق ووصف دواء لحالتك. السؤال الذي قد يتبادر إلى ذهنك هو: “كيف عرف كل هذا؟”

هذا السؤال يقودنا إلى ما يسمى بـ “الصندوق الأسود”، وهو من أكثر الأمور المحيرة في الذكاء الاصطناعي. معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصة تلك التي تعتمد على “التعلم العميق” (Deep Learning)، تعمل بنفس الطريقة: أنت تُدخل بيانات، وهي تعطيك نتيجة. لكن السؤال هو: ماذا يحدث في المنتصف؟ هذا هو السر الذي يحير حتى مهندسي الذكاء الاصطناعي.

ببساطة، هذه الأنظمة لا تتبع أوامر برمجية محددة مثل أي برنامج آخر. إنها تعمل بشبكات عصبونية إلكترونية، فكرتها مستوحاة من الدماغ البشري، وتتكون من ملايين الوصلات الرقمية. عندما تُدخل البيانات، فإنها تمر عبر طبقات عديدة، وفي كل طبقة يتم إجراء تعديلات رياضية معقدة وكشف أنماط يستحيل علينا كبشر ملاحظتها.

من شبه المستحيل تتبع رحلة البيانات عبر هذه الشبكة الضخمة وفهم لماذا غيرت كل وصلة قيمتها. الأمر أشبه بمحاولة فهم لماذا تم تنشيط خلية عصبية معينة في دماغك عندما شممت رائحة طعام معين من طفولتك؛ العملية أكثر تعقيدًا مما يمكننا التعامل معه.

هذا يضعنا أمام مشكلة كبيرة:

هذا الموضوع كبير لدرجة أنه فتح مجالًا كاملًا اسمه “الذكاء الاصطناعي القابل للتفسير” (Explainable AI)، وهدفه هو ألا يعطيك الذكاء الاصطناعي إجابة فقط، بل أن يشرح لك كيف توصل إليها. لكننا ما زلنا في بداية الطريق، وسنظل نتعامل مع هذا الأمر الغامض والمقلق لبعض الوقت.

السر الثالث: الإبداع المفاجئ

في عام 2016، أقيمت مباراة بين روبوت من جوجل وبطل العالم في لعبة اسمها “غو” (Go)، وهي لعبة استراتيجية أقدم وأكثر تعقيدًا من الشطرنج، حيث أن عدد الحركات المحتملة فيها أكبر من عدد الذرات في الكون. كان من المتوقع أن يحتاج الذكاء الاصطناعي لسنوات عديدة لهزيمة بطل العالم في لعبة تعتمد على الإبداع وليس فقط الحسابات.

لكن في المباراة الثانية، وفي الحركة رقم 37، قام الروبوت بشيء لم يتوقعه أحد. وضع الروبوت قطعة في مكان معين على اللوحة. للوهلة الأولى، بدت الحركة كأنها خطأ، حركة غريبة لدرجة أن المعلقين ظنوا أنها خلل فني. بطل العالم نفسه صُدم ونهض من مكانه، وبدأ يسير في الغرفة لمدة ربع ساعة تقريبًا محاولًا استيعاب ما حدث. كانت احتمالية أن يقوم لاعب بشري بهذه الحركة هي 1 من كل 10000.

كانت هذه الحركة إبداعية بشكل مفاجئ، فتحت إمكانيات جديدة في اللعب وغيرت مسار المباراة، وفي النهاية فاز الروبوت. هذا يثبت أن الروبوت لم يكن قادرًا فقط على تقليد أفضل اللاعبين، بل تعلم أيضًا كيف يتفوق عليهم ويبتكر استراتيجيات جديدة لم يفكر بها أي إنسان على مدار 2500 عام.

هذا السر هو الأغرب، لأنه لا يتعلق بالكفاءة أو الغموض فقط، بل يتعلق بالإبداع. أثبت الذكاء الاصطناعي أنه أكثر من مجرد آلة تعتمد على الحسابات الرياضية؛ لقد استطاع إيجاد استراتيجيات لم تكن موجودة في بياناته أصلاً.

هذا الأمر له تأثير أكبر بكثير من مجرد لعبة. ماذا لو اكتشف الذكاء الاصطناعي مركبًا كيميائيًا جديدًا، أو اقترح تصميمات لأشياء لم يفكر بها البشر قط؟ إن قدرة الذكاء الاصطناعي على التفكير في احتمالات لم نفكر بها قد تكون أفضل أداة للتقدم العلمي في تاريخنا.

خاتمة

هذه الأسرار الثلاثة، إذا تم استخدامها بشكل صحيح، قد تدفع بالبشرية إلى الأمام. لكننا ما زلنا في بداية حقبة جديدة تمامًا؛ حقبة نطرح فيها أسئلة حول الثقة والتحكم والذكاء نفسه. في كل مرة نعتقد أننا فهمنا حدوده، يفاجئنا بأشياء جديدة.

الحقيقة هي أننا نبني شيئًا قد لا نفهمه بالكامل أبدًا. وهذا هو الجانب الأكثر إثارة ورعبًا في نفس الوقت.

والآن، حان دوركم. شاركوني في التعليقات، أي هذه الأسرار أثار دهشتكم أو قلقكم أكثر؟

شارك المقال

أحدث المقالات

CONNECTED
ONLINE: ...
SECURE
00:00:00