مقدمة
مرحباً بكم في هذا المقال حول الشبكات العصبية الاصطناعية. هذه الشبكات هي الأساس الذي تعتمد عليه تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة، مما يتيح للآلات القدرة على التعلم والتعرف على الأنماط واتخاذ القرارات بشكل مستقل.
الإلهام البيولوجي: الدماغ البشري
لفهم الشبكات العصبية الاصطناعية، نحتاج أولاً إلى فهم النموذج البيولوجي الذي استُلهمت منه، وهو الدماغ البشري. يتكون الدماغ من شبكة ضخمة من الخلايا العصبية، حيث يحتوي على حوالي 100 مليار خلية عصبية، تتصل كل منها بآلاف الخلايا العصبية الأخرى عبر المشابك العصبية. هذه الشبكة المعقدة مسؤولة عن جميع العمليات الإدراكية، من التعرف على الوجوه إلى اتخاذ القرارات المعقدة.
كل خلية عصبية في الدماغ تتكون من ثلاثة أجزاء رئيسية:
- التشعبات العصبية: وهي المسؤولة عن استقبال الإشارات من الخلايا العصبية الأخرى.
- جسم الخلية: وهو الجزء الذي يجمع الإشارات ويعالجها.
- المحور العصبي: وهو المسؤول عن إرسال الإشارة إلى الخلايا العصبية الأخرى.
عندما تتلقى الخلية العصبية عدداً كافياً من الإشارات المحفزة، تقوم بإطلاق إشارة كهربائية تُعرف باسم “جهد الفعل”، حيث يتم إرسال هذه الإشارة عبر المحور العصبي إلى خلايا عصبية أخرى من خلال المشابك العصبية. هذه العملية هي الأساس الذي يعتمد عليه الدماغ في التعلم واتخاذ القرارات.
ما هي الشبكات العصبية الاصطناعية؟
الشبكات العصبية الاصطناعية هي نماذج حسابية مستوحاة من طريقة عمل الخلايا العصبية في الدماغ. ولكن بدلاً من الإشارات الكهربائية، تعتمد الشبكات العصبية الاصطناعية على العمليات الحسابية لمعالجة البيانات واتخاذ القرارات.
كل خلية عصبية اصطناعية، أو ما يسمى بـ “العصبون الاصطناعي” (Artificial Neuron)، تعمل بطريقة مشابهة للخلايا العصبية البيولوجية: فهي تستقبل المدخلات، تعالجها باستخدام دوال رياضية، ثم تمرر المخرجات إلى الخلايا العصبية التالية في الشبكة.
تتكون الشبكة العصبية من ثلاث طبقات رئيسية:
- طبقة الإدخال (Input Layer): حيث تستقبل البيانات الخام من البيئة الخارجية.
- الطبقات المخفية (Hidden Layers): حيث تقوم بمعالجة البيانات واستخراج الأنماط المهمة منها.
- طبقة الإخراج (Output Layer): حيث تنتج النتائج النهائية استناداً إلى العمليات التي تمت في الطبقات المخفية.
مكونات الخلية العصبية الاصطناعية
كل خلية عصبية اصطناعية في الشبكة تقوم بجمع المدخلات وإجراء عملية حسابية عليها، ثم تقرر ما إذا كانت ستمرر الإشارة إلى الخلايا العصبية التالية أم لا. يتم ذلك من خلال ثلاثة مكونات رئيسية: الأوزان، والانحياز، ووظائف التفعيل.
1. الأوزان (Weights)
عندما تستقبل الخلية العصبية الاصطناعية عدة مدخلات، فإنها لا تتعامل مع جميع المدخلات بنفس الأهمية. على سبيل المثال، إذا كانت الشبكة العصبية مكلفة بتصنيف البريد الإلكتروني إلى “بريد مهم” أو “بريد غير مرغوب فيه”، فإن بعض الكلمات المفتاحية ستكون أكثر تأثيراً في القرار من غيرها.
وهنا يأتي دور الأوزان. الأوزان هي قيم عددية يتم تعيينها لكل مدخل في الشبكة العصبية، وهي التي تحدد مدى أهمية كل مدخل في اتخاذ القرار النهائي. يتم ضرب كل مدخل في وزنه الخاص، مما يعني أن بعض المدخلات سيكون لها تأثير أكبر من غيرها على النتيجة النهائية. أثناء عملية التعلم، تقوم الشبكة العصبية بتعديل هذه الأوزان من أجل تحسين دقة التنبؤات، بحيث تزيد من الأوزان المهمة وتقلل من الأوزان غير الضرورية.
2. الانحياز (Bias)
في بعض الحالات، قد لا يكون من الكافي الاعتماد فقط على المدخلات الموزونة لاتخاذ القرار. هنا يأتي دور الانحياز، والذي يعمل كمدخل إضافي ثابت يساعد في ضبط عتبة التفعيل للخلية العصبية. الانحياز يضمن أن الخلية العصبية يمكنها اتخاذ القرارات حتى عندما تكون المدخلات صفرية أو منخفضة جداً. على سبيل المثال، بدون الانحياز، قد تكون الشبكة محدودة في قدرتها على التعلم، حيث يمكن أن تفشل في اكتشاف الأنماط الدقيقة في البيانات.
يتم تمثيل الانحياز في المعادلة التالية:
الناتج = دالة_التفعيل(Σ(الوزن * المدخل) + الانحياز)
3. وظائف التفعيل (Activation Functions)
حتى بعد حساب مجموع المدخلات الموزونة والانحياز، يجب على الخلية العصبية أن تقرر ما إذا كانت ستمرر الإشارة أم لا. يتم تنفيذ هذا القرار باستخدام “وظائف التفعيل”، والتي تحدد كيفية استجابة الخلية العصبية للمخرجات المحسوبة.
هناك عدة أنواع من وظائف التفعيل، لكل منها استخداماته الخاصة. وظائف التفعيل تضيف اللاخطية إلى الشبكة العصبية، مما يمكنها من تعلم العلاقات المعقدة بين المدخلات والمخرجات. في مثالنا، سنستخدم دالة “سيجمويد” (Sigmoid) كوظيفة تفعيل، والتي تُعرَّف بالمعادلة التالية:
σ(x) = 1 / (1 + e^-x)
مثال عملي: تصنيف البريد الإلكتروني
لنفترض أننا نبني شبكة عصبية لتصنيف رسائل البريد الإلكتروني. بعد حساب القيم في الطبقات المخفية، يتم تمريرها إلى طبقة الإخراج، حيث يتم ضرب كل قيمة في وزنها المخصص وإضافة الانحياز. بعد ذلك، نحتاج إلى تطبيق وظيفة التفعيل “سيجمويد” لجعل الإخراج بين صفر وواحد.
بعد تطبيق جميع العمليات الحسابية، لنفترض أن ناتج الشبكة العصبية لهذا المثال هو 0.67.
العتبة (Threshold)
ولكن كيف نحدد ما إذا كان البريد الإلكتروني مهماً أم غير مرغوب فيه بناءً على هذا الرقم؟ هنا يأتي دور العتبة. العتبة هي قيمة يتم تحديدها مسبقاً لفصل الفئات المختلفة.
- إذا كان ناتج العصبون الأخير أكبر من أو يساوي العتبة، يتم تصنيف المدخل في الفئة الأولى (مثلاً: “مهم”).
- إذا كان الناتج أقل من العتبة، يتم تصنيفه في الفئة الثانية (مثلاً: “غير مرغوب فيه”).
في الشبكات العصبية التي تستخدم وظيفة التفعيل “سيجمويد”، يكون الناتج دائماً بين 0 و 1. لذا، يتم استخدام عتبة 0.5 عادةً كفاصل بين الفئتين.
في مثالنا، بما أن الناتج (0.67) أكبر من العتبة (0.5)، فإن الشبكة العصبية تصنف البريد الإلكتروني على أنه مهم.
خاتمة
الشبكات العصبية الاصطناعية هي تقنية مذهلة تحاكي الطريقة التي يعالج بها الدماغ المعلومات. بفضل مكونات مثل الأوزان والانحياز ووظائف التفعيل، تستطيع هذه الشبكات التعلم من البيانات واتخاذ القرارات بفعالية. من خلال ضبط هذه العوامل أثناء عملية التعلم، يمكن تحسين أداء الشبكة وجعلها قادرة على تنفيذ مهام متقدمة ومعقدة.