وهم تعلم البرمجة في ثلاثة أشهر: الحقيقة التي يجب أن تعرفها

تنتشر فكرة شائعة عن إمكانية احتراف البرمجة من خلال دبلوم مدته ثلاثة أو أربعة أشهر، لتكون بعدها جاهزًا لسوق العمل. لكن هل هذا الكلام منطقي، أم أنه مجرد خداع أو وسيلة للكسب السريع؟

قبل أن نتناول هذه النقطة، دعنا نتفق على أن أساسيات البرمجة وعلوم الحاسب هي حجر الزاوية الذي لا غنى عنه لأي شخص يطمح أن يصبح مهندس برمجيات قادر على بناء أنظمة برمجية متكاملة.

ما هي أساسيات البرمجة؟

عندما أتحدث عن أساسيات البرمجة أو علوم الحاسب، فأنا أقصد مفاهيم جوهرية مثل:

هذه هي العلوم التي يجب أن يتأسس فيها كل مبرمج ليصبح متميزًا. فكتابة الكود، التي تمثلها لغة البرمجة، ليست سوى جزء صغير من عملية صناعة البرمجيات بأكملها. من الضروري إدراك هذه الحقيقة عند التعامل مع مجال البرمجة الواسع والمتشعب. إن التخصص الأهم والأكبر كمهندس برمجيات يعتمد بشكل أساسي على تأسيس برمجي صحيح.

هل يمكن تعلم البرمجة في 3 أشهر؟

بناءً على ما سبق، من غير المنطقي الاعتقاد بأنه يمكنك استيعاب هذا المجال الضخم في ثلاثة أو أربعة أشهر ثم الانطلاق للعمل في شركات كبرى. التأسيس البرمجي الصحيح يستغرق وقتًا.

معيار الوقت يختلف من شخص لآخر بناءً على قدرته على الاستيعاب. قد يتمكن البعض من تعلم الأساسيات في سنة، أو سنتين، أو حتى أربع سنوات. ولكن لكي نكون واقعيين، المتوسط الطبيعي الذي لاحظته هو سنتان على الأقل لإتقان الأساسيات بشكل صحيح. بعد هاتين السنتين، يمكنك الانتقال إلى الجانب العملي، مثل الالتحاق بمعسكر تدريبي (Bootcamp) لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر لصقل مهاراتك.

التحدي دائمًا هو أن من يدرك مدى اتساع مجال البرمجة، يفهم أنه يتطلب وقتًا طويلاً. إذا كنت تحلم بتغيير مسارك المهني والعمل في البرمجة خلال أشهر قليلة، فلا تخدع نفسك ولا تسمح لأحد بخداعك، فهذا ليس واقعيًا.

المقارنة الخاطئة مع المهارات الأخرى

يقارن البعض تعلم البرمجة بتعلم اللغة الإنجليزية، أو الرسم، أو التصميم الجرافيكي، بحجة أنها لا تتطلب دراسة جامعية. أتفق أن هذه المجالات تعتمد على المهارة والإبداع، لكنها جميعًا علوم تحتاج إلى تأسيس صحيح. البرمجة، على الرغم من احتوائها على كل هذه المعايير، تعتمد بشكل حاسم على أساس علمي متين يمكنك من مواكبة التطور وممارسة الإبداع لاحقًا.

خطأ شائع: القفز مباشرة إلى التطبيق

لقد شاهدت الكثيرين ممن قاموا بتغيير مسارهم المهني من تخصصات هندسية أخرى، أو حتى من الطب، يدخلون مجال البرمجة مباشرة بالخطوة رقم 20، وهي: “أريد بناء تطبيق”. يتعلمون كيفية كتابة بضعة أسطر من الكود بلغة معينة، وينجحون بالفعل في إنشاء واجهة بسيطة بناءً على الدورة التي التحقوا بها.

لكن المفاجأة تأتي عندما يتقدمون لوظيفة ويخضعون لمقابلة تقنية، حيث يكتشفون أن لديهم فجوات معرفية هائلة تمنعهم من الحصول على الوظيفة. والسبب هو غياب الأساس المتين، فخبرتهم المقتصرة على 3-4 أشهر من الدراسة ليست كافية.

الطريق الصحيح للتعلم

إذًا، ما هو الحل إذا كنت قد التحقت بدورة قصيرة ولم تشعر بالاستفادة الكاملة؟ الحل هو أن تعود لدراسة الأساسيات من مصدر موثوق. المصادر المجانية متوفرة بكثرة اليوم، وعلى رأسها مساق CS50 من جامعة هارفارد، والذي أرشحه بقوة. ستجد له ترجمات عربية كاملة. قد تستغرق دراسة هذا المساق وحده من ستة أشهر إلى سنة، ولكنه سيعلمك المفاهيم الجوهرية:

هذا هو أصل الموضوع. كتابة الكود تأتي في مرحلة متأخرة. حتى في عملي اليومي كمهندس برمجيات خبير (Senior Engineer)، فإن كتابة الكود هي آخر خطوة أقوم بها. أقضي معظم وقتي في التفكير، التخطيط، تحليل المشكلة، فهم أسبابها، وكيفية تكوّنها. بعد ذلك فقط، أكتب الكود الذي يحل المشكلة.

عندما أقول “مشكلة”، فأنا أقصد أي مهمة برمجية، حتى لو كانت بناء تطبيق جديد. نحن نسميها “بيان المشكلة” (Problem Statement)، حيث يتطلب الأمر فهمًا عميقًا للمتطلبات، وتحديد نطاق واضح (Scope)، ووضع تصور للخطوات والميزات المطلوبة، وتوقع التحديات المحتملة. كل هذه الأجزاء من دورة حياة تطوير البرمجيات (Software Development Lifecycle) تتطلب دراسة لأساسيات علوم الحاسب.

ابدأ من المصادر التأسيسية

لحسن الحظ، ليس الجميع يروجون لفكرة المعسكرات التدريبية القصيرة. هناك مؤسسات جادة تقدم برامج تمتد لستة أو تسعة أشهر. في مصر على سبيل المثال، يعد المعهد التكنولوجي للمعلومات (ITI) مرجعًا جيدًا، حيث يقدم منحة لمدة تسعة أشهر، لأنه يدرك أن هذه هي أقل مدة زمنية مطلوبة لتأسيس حقيقي في مسار معين. أما المسارات القصيرة التي يقدمها المعهد، فهي مصممة لمن يحتاج إلى استكمال معلومة معينة ناقصة لديه.

خلاصة القول

إذا كنت في بداية طريقك، فأسس نفسك بشكل صحيح في الأساسيات المنطقية وامنحها الوقت الكافي. أما إذا دخلت المجال عبر دورات قصيرة وتوقعت نتائج سريعة، فستجد نفسك عالقًا في تنفيذ مهام صغيرة ومشاريع حرة بسيطة، وغير قادر على التقدم في مسارك المهني.

استثمر في عقلك بالمعلومات الصحيحة التي تبني لك توجهًا سليمًا كمهندس برمجيات. بعد أن تتأسس، تصبح الدورات القصيرة (على منصات مثل Udemy أو Udacity) أدوات للتعلم المستمر مدى الحياة، هدفها تزويدك بمعلومة متخصصة في مسار معين، وليس تعليمك الأساسيات من الصفر.

على سبيل المثال، لا تبدأ مباشرة في تعلم تطوير الويب (Web Development). ابدأ أولًا بالخوارزميات وهياكل البيانات. بعد أن تستوعب هذه المفاهيم بنسبة عالية، يمكنك القول: “أنا الآن جاهز لدخول عالم تطوير الويب”.

يتطلب الأمر صبرًا. إذا لم تكن صبورًا، فمن الأفضل عدم دخول المجال. الأشخاص الذين يتقاضون رواتب مجزية اليوم هم من تأسسوا بشكل صحيح، ودرسوا كل ما يتعلق بالكمبيوتر والبرمجيات، بدءًا من التعامل مع العتاد (Hardware) وصولًا إلى مفاهيم متقدمة مثل:

إذا كانت لديك الفرصة للدراسة في كلية متخصصة، فهذا يضعك في بيئة مناسبة لتعلم الأساسيات، حيث تكون محاطًا بطلاب وأعضاء هيئة تدريس يمكنك سؤالهم. أما إذا كنت تتعلم بمفردك، فالصعوبة أكبر، لكن المبدأ يظل واحدًا.

أساسيات البرمجة هي التي ستفتح لك الطريق لدخول المجال بشكل صحيح، والحصول بعد عدة سنوات على وظيفة براتب مجزٍ، لأنك ستكون شخصًا مؤهلًا وقادرًا على الارتقاء في مسارك المهني.

شارك المقال

أحدث المقالات

CONNECTED
ONLINE: ...
SECURE
00:00:00