لو عاد بي الزمن: هكذا كنت سأتعلم البرمجة من الصفر

بصراحة، لو عاد بي الزمن وكنت سأبدأ تعلم البرمجة من جديد، من المستحيل أن أبدأ كما بدأت في المرة الأولى. لماذا؟ لأن الطريق الذي سلكته أضاع مني شهورًا بين مصادر ولغات كثيرة ومعلومات لا نهاية لها. ولهذا السبب، هذا المقال مُعد خصيصًا لك لأوفر عليك هذا الارتباك وأخبرك بالضبط بما كنت سأفعله خطوة بخطوة لو كنت سأبدأ من الصفر الآن.

سأخبرك بما كنت سأبدأ، وكيف كنت سأتعلم، وعلى أي أساس كنت سأختار تخصصي، وسأعطيك خطة عملية كنت سأسير عليها من اليوم الأول حتى أصل لأول مشروع فعلي. فلو كنت تائهًا أو مترددًا أو بدأت وتوقفت عدة مرات، ركز معي لأن ما هو قادم قد يوفر عليك شهورًا من التعب ويجعل تعلمك أسرع مما تتخيل.

المشكلة في التعلم العشوائي

عندما بدأت تعلم البرمجة، كنت أعتقد أنني أسير في الطريق الصحيح. كل يوم أفتح مصادر تعليمية، أتعلم قليلاً من هنا وقليلاً من هناك، لكن الحقيقة هي أنني كنت أسير بعشوائية تامة. لا توجد خطة، لا توجد ورقة أمامي مكتوب فيها إلى أين أنا ذاهب أو ماذا سأفعل بعد ذلك. كل الخطة كانت في عقلي، وعقلي وقتها كان مزدحمًا جدًا.

هذا الأمر جعلني أضيع شهورًا من وقتي، شهورًا أتعلم فيها ولكن دون أن أشعر بأنني أتقدم بشكل حقيقي. على الرغم من أنني وصلت في النهاية، إلا أن ذلك كان بعد تأخير كبير كان من الممكن تجنبه لو بدأت بشكل صحيح من البداية. ولهذا، هذا المقال ليس مجرد خطوات نظرية، بل هي بالفعل الأمور التي تمنيت لو أن أحدًا أخبرني بها وأنا لا أزال في البداية.

الخطوة الحقيقية الأولى: حدد هدفك

ما جعلني أضيع شهورًا كثيرة دون نتيجة هو أنه لم يكن لدي هدف واضح. كنت أعتقد أن “تعلم البرمجة” هو الهدف، لكن الحقيقة أن هذه الكلمة عامة جدًا ولن توصلك إلى شيء. مجال البرمجة ينقسم إلى تخصصات كثيرة جدًا. كان يجب أن أسأل نفسي:

كل هذه أسئلة يجب أن تطرحها على نفسك وأنت لا تزال تفكر في البداية. لكن في ذلك الوقت، لم يكن أي من هذه الأسئلة في ذهني، وهذا هو سبب تشتتي.

بعد فترة، أصبح لدي هدف وهو تعلم تطوير تطبيقات الجوال، لكنني كنت لا أزال أجري في دائرة مغلقة لأنني لم أكن أعرف المسار الكامل الذي يجب أن أسير عليه. ما اكتشفته لاحقًا هو أن الخطوة الأولى الحقيقية في التعلم ليست أن تبدأ في التعلم، بل أن تحدد هدفك بوضوح.

الهدف هو الذي يحدد:

  1. التخصص
  2. لغة البرمجة
  3. الدورات التعليمية
  4. المشاريع التي ستنفذها

نقطة واحدة قلبت الموازين وجعلت كل شيء واضحًا. ببساطة، من غير هدف، ستظل تذاكر وتدور في حلقة مفرغة، تنسى ثم تبدأ من جديد، وفي النهاية ستعتقد أن المشكلة فيك، بينما المشكلة الحقيقية هي أنك لم تحدد طريقك من البداية.

القاعدة الذهبية: التخصص أولًا

واحدة من أكبر الأمور التي قد تضيع وقتك في البداية هي اعتقادك أن البرمجة كلها شيء واحد. هذا خطأ كبير يقع فيه الكثيرون. لا يوجد شيء اسمه “سأتعلم البرمجة” وحسب، لأن البرمجة بحر واسع يحتوي على تخصصات كثيرة، وكل تخصص له أدواته ولغاته وطريقة تفكير مختلفة تمامًا.

قد تجد نفسك تبدأ في تعلم أشياء دون أن تفهم كيف تخدمك أو إلى أين من المفترض أن توصلك. بين الحين والآخر، تسمع عن تخصص جديد مثل تطوير الويب، ثم تطبيقات الجوال، ثم الذكاء الاصطناعي، فتترك ما في يدك لتبدأ في تخصص جديد، وهكذا. النتيجة هي أنك تأخذ القليل من كل مجال دون أي عمق حقيقي في أي منها.

إذا أردت أن تبدأ بداية صحيحة، اسأل نفسك من الآن: “ماذا أريد أن أعمل بعد أن أنتهي؟”. بمجرد أن تحدد الاتجاه، كل خطوة تالية ستكون أكثر وضوحًا وسهولة، وحينها ستبدأ في الشعور بإنجاز حقيقي.

القاعدة الذهبية: اختيار التخصص هو الذي يحدد لك اللغة، والمصادر، والمشاريع التي يجب أن تعمل عليها.

اختيار التخصص في البداية ليس أمرًا ثانويًا، بل هو أول قرار يجب أن تتخذه لتعرف من أين تبدأ وكيف تسير. لا بأس أن تختار تخصصًا في البداية ثم تميل إلى تخصص آخر بعد أن تتأسس، لكن حاول أن تكون محددًا منذ البداية لتوفير الوقت والمجهود وإبعاد عقلك عن أي تشتت.

بأي لغة برمجة أبدأ؟

الآن بعد أن عرفت إلى أين أنت ذاهب، حان وقت السؤال الذي يسأله الجميع كل يوم: “بأي لغة أبدأ؟”. هنا، أريدك أن تفهم شيئًا مهمًا جدًا: لغة البرمجة ليست هدفًا، بل هي وسيلة.

عندما تحدد تخصصك، ستجد اللغة الأم في هذا المجال. قد يحتوي المجال على أكثر من لغة، ولكن الاختيار سيصبح محددًا ولن تترك نفسك تائهًا. تجنب خطأ تعلم لغة لمجرد أن الجميع يبدأ بها دون أن تعرف إلى أين ستوصلك.

نصيحة إضافية: إذا كنت ترغب في بناء أساسيات قوية أولاً، وهو الأفضل عمومًا، يمكنك البدء بلغة قوية مثل C++ أو Java. هذا الخيار مناسب إذا كنت تريد بناء أساس تقني متين وفهم مجال هندسة البرمجيات بعمق قبل التخصص.

تذكر دائمًا، لست بحاجة لتعلم خمس أو ست لغات لتصبح مبرمجًا قويًا. أنت تحتاج إلى لغة واحدة تركز فيها وتفهم أساسياتها جيدًا، وبعد ذلك سيصبح كل شيء آخر سهلاً. الأهم ليس اللغة التي تبدأ بها، بل أن تكمل بها وتبني بها شيئًا حقيقيًا.

قوة الخطة المكتوبة

إذا كنت تنوي تعلم البرمجة بجدية، يجب أن تتوقف عن أسلوب “سأشاهد بعض الدروس وأرى كيف تسير الأمور”. أنت تحتاج إلى خطة مكتوبة وواضحة أمامك.

  1. حدد هدفًا بسيطًا وواضحًا: مثل “أريد تعلم أساسيات لغة Python في أربعة أسابيع” أو “سأقوم ببناء أول مشروع ويب بسيط باستخدام HTML و CSS”.
  2. استخدم أداة لتنظيم خطتك: مثل Notion أو حتى ورقة وقلم. اكتب الخطة التي ستسير عليها لتحقيق هدفك.
  3. قسّم الخطة أسبوعيًا:
    • الأسبوع الأول: دراسة المتغيرات وأنواع البيانات.
    • المصدر: دورة [اسم الدورة] على منصة [اسم المنصة].
    • المهارة المكتسبة: القدرة على تعريف المتغيرات والتعامل معها.
    • المشروع: كتابة برنامج صغير يطلب من المستخدم إدخال اسمه وعمره ثم يطبعهما.

الفكرة ليست فقط في السير على خطة، بل في مراجعتها كل أسبوع وتعديلها بناءً على مستواك الحقيقي، وليس حسب ما كنت تعتقد. كن واقعيًا وتقبل أنك قد تحتاج وقتًا أطول مما خططت له.

ملاحظة: الالتزام بالخطة هو الأهم. خصص ساعة واحدة مركزة في اليوم للتعلم، ثم زدها تدريجيًا. ساعة بتركيز أفضل من خمس ساعات من المذاكرة العشوائية.

متابعة التقدم واختيار المصادر

جزء مهم من أي خطة ناجحة هو متابعة التقدم. كل أسبوع، اجلس لمدة 10 دقائق مع نفسك وراجع ما أنجزته. إذا تأخرت في بعض النقاط، حاول أن تفهم السبب: هل هو صعوبة الفهم، ضيق الوقت، أم الملل؟ بناءً على ذلك، عدّل خطتك.

ركز على مصادرك. لا تضع خطة ثم تفتح كل يوم مصدرًا مختلفًا. أثناء إعداد الخطة، حدد المصادر التي ستعتمد عليها. اختر مصدرًا واحدًا لكل مرحلة (دورة واحدة أو قائمة تشغيل واحدة) وأكملها حتى النهاية. كلما قللت من تبديل المصادر، قل تشتتك وزاد تركيزك.

تجنب هذه الأخطاء الشائعة

السبب الحقيقي الذي يضيع وقتك ليس أنك لست ذكيًا كفاية أو أن المجال صعب، بل أنك تقع في نفس الأخطاء التي وقع فيها الكثيرون قبلك:

  1. محاولة تعلم كل شيء من كل مكان: هذا هو أكبر مصدر للتشتت. ركز على مسار واحد.
  2. الاعتقاد بأن الدورات التعليمية كافية: الدورات مهمة، لكن التطبيق العملي هو ما يحول المعلومة إلى مهارة. شخص أنهى دورة واحدة وطبق كثيرًا أفضل من شخص أنهى خمس دورات دون تطبيق.
  3. التعلم بمفردك دون تطبيق: إذا كنت تشاهد الدروس وتشعر أنك تفهم، لكنك تعجز عن كتابة الكود بنفسك، فهذه علامة على أنك تحتاج إلى تطبيق أكثر.

الخلاصة: ابدأ الآن، وابدأ بشكل صحيح

أنت الآن تعرف الطريق. ابدأ في طريق واحد، بتخصص واحد، ولغة واحدة، ومصدر واحد. تعلم بتركيز، طبق بذكاء، وراجع تقدمك باستمرار. امشِ بخطوات صغيرة ولكن ثابتة، وحينها فقط ستشعر أنك تتعلم حقًا ولن تضيع وقتك.

تذكر دائمًا، البداية الصحيحة تفرق، لكن الاستمرار هو ما يكمل الرحلة.

شارك المقال

أحدث المقالات

CONNECTED
ONLINE: ...
SECURE
00:00:00