يونكس: قصة نظام التشغيل الذي غير عالم البرمجة

أهلاً بك في “كودينج في أي”. اليوم، سنتحدث عن واحد من أهم أنظمة التشغيل في تاريخ الكمبيوتر، ألا وهو نظام يونكس. إذا فكرت في أنظمة التشغيل الآن، ستجد بالتأكيد أن معظم الأنظمة التي نستخدمها حاليًا مبنية على يونكس بشكل أو بآخر. ولكن كيف بدأ هذا النظام، ومن أين جاءت الفكرة؟ كل هذا وأكثر سنتعرف عليه في هذا المقال. سنتعرف معًا على تاريخ يونكس منذ بداية تطويره حتى أصبح الأساس لمعظم أنظمة التشغيل الحديثة. فلنبدأ مباشرةً.

البداية في معامل بيل

بدأ كل شيء في عام 1969، عندما كان هناك مهندسون في معامل “إيه تي آند تي بيل” (AT&T Bell Labs) في أمريكا يعملون على نظام تشغيل جديد. في ذلك الوقت، كانت هناك أنظمة تشغيل موجودة بالفعل، على سبيل المثال، كان هناك نظام تشغيل قديم يُدعى “مالتكس” (Multics). كان هدفهم هو إنشاء نظام أسهل وأسرع بكثير. ومن هنا، بدأت فكرة يونكس تظهر إلى النور.

مؤسس هذه الفكرة كان شخصًا يُدعى كين تومسون، وهو مهندس أمريكي كان يعمل في ذلك الوقت في معامل بيل. كانت لديه فكرة لإنشاء نظام تشغيل يتميز بالآتي:

كانت الأنظمة السابقة معقدة جدًا وصعبة التعامل، فكان يونكس يجب أن يكون مختلفًا. في البداية، كُتب يونكس بلغة التجميع (Assembly) وكان في صورة بسيطة جدًا. لكن منذ أن بدأوا العمل عليه في معامل بيل، بدأ يتضح لهم أنه يمكن أن يكون شيئًا أكبر بكثير مما كانوا يخططون له.

في عام 1971، بدأ أول إصدار من يونكس يظهر بشكل تجريبي. كين تومسون ودينيس ريتشي هم من كانوا وراء تطويره، وكانت هذه بداية واحدة من أشهر قصص النجاح في تاريخ البرمجة.

الفلسفة الأساسية ليونكس

كان نظام يونكس مختلفًا عن أي نظام تشغيل كان موجودًا قبله. بدلاً من وجود أجهزة معقدة لتشغيله، كان نظام يونكس يعمل على أجهزة بسيطة جدًا، وكان سريعًا وسهل الصيانة.

مبدأ أساسي: كل شيء هو ملف كان يونكس مبنيًا على فكرة أساسية وهي التعامل مع كل شيء كملف (File). حتى الأجهزة، مثل الطابعات والمنافذ، كانت تُعامل كملفات يمكن القراءة منها والكتابة إليها، مما بسّط تصميم النظام بشكل كبير.

في عام 1973، بدأوا في كتابة يونكس بلغة C، وكانت هذه نقلة كبيرة جدًا في ذلك الوقت. وذلك لأن لغة C كانت لغة مرنة جدًا وساعدت في جعل النظام أكثر قابلية للانتقال بين أنواع مختلفة من الأجهزة، على عكس لغة التجميع التي كانت معقدة نوعًا ما.

الانتشار الأكاديمي والمصدر المفتوح

في فترة السبعينات، بدأ يونكس بالانتشار بين الجامعات والمؤسسات البحثية، وأصبح نظامًا متاحًا للجميع. في ذلك الوقت، بدأوا يكتشفون كيف يمكنهم استخدامه في مشاريع أكاديمية وكذلك مشاريع بيئية. في عام 1974، تم نشر أول مقال علمي عن يونكس في مجلة “Communications of the ACM”، وكانت هذه بداية انطلاقته الحقيقية في المجتمع الأكاديمي.

ومع مرور الوقت، لم يعد يونكس مجرد مشروع داخلي في معامل بيل، بل بدأ بالانتشار في أماكن أخرى مثل الجامعات والمراكز البحثية. أحد العوامل المهمة التي ساعدت بشكل كبير في انتشار يونكس هو أنه كان مفتوح المصدر (Open Source)، مما يعني أن أي شخص يمكنه التعديل عليه والإضافة إليه واستخدامه كما يشاء. وكانت هذه ثورة حقيقية في ذلك الوقت.

في عام 1979، بدأ يظهر أول إصدار تجاري من يونكس، وكان يُدعى Unix Version 7. كان هذا الإصدار بمثابة الأساس لكثير من التوزيعات التي ظهرت بعد ذلك. ومع مرور الوقت، بدأت شركات أخرى مثل “آي بي إم” (IBM) و”صن مايكروسيستمز” (Sun Microsystems) في تطوير نسخها الخاصة من يونكس.

الإرث الحديث وظهور لينكس

لم يكن يونكس مجرد نظام تشغيل عادي، بل كان يؤثر في المجال الأكاديمي والصناعي بشكل كبير. كان يستخدمه المبرمجون والمطورون والعديد من الأشخاص، وكان من أهم العوامل التي ساعدت على تطوير الإنترنت في السبعينات والثمانينات. كل هذا يرجع إلى أن النظام كان قويًا جدًا في التعامل مع الشبكات؛ كانت لديه قدرة كبيرة على التعامل مع الشبكات المختلفة.

ومن هنا، بدأت تظهر التوزيعات المختلفة من يونكس. على سبيل المثال، في عام 1983، ظهرت نسخة تُدعى BSD Unix (Berkeley Software Distribution)، وقدمت هذه النسخة مفاهيم جديدة وكثيرة جدًا مثل الشبكات المتقدمة والتحكم في الوصول للمستخدمين.

وهنا نصل إلى بداية التسعينات، عندما بدأ يونكس بالانتشار أكثر فأكثر، وكان هناك تطور كبير جدًا في الحواسيب الشخصية. ولكن في ذلك الوقت، ظهر شيء مهم جدًا: نظام لينكس.

كان لينكس مشروعًا بدأه مهندس يُدعى لينوس تورفالدس في عام 1991. كان المشروع مستوحى بشكل كبير من يونكس، حيث استخدم لينكس نفس فكرة يونكس، لكنه كان مفتوح المصدر أيضًا ومتوافقًا مع الأجهزة المختلفة. وبالفعل، بدأ لينكس بالانتشار بسرعة هائلة بسبب كونه مجانيًا وسهل التعديل.

وبعد ذلك، بدأت أنظمة تشغيل أخرى كثيرة، مثل macOS وBSD التي تحدثنا عنها، تظهر إلى النور، وجميعها كانت تستفيد من أسس يونكس.

خاتمة: تأثير يونكس اليوم

أما اليوم، فنحن نرى تطورًا هائلاً في الأنظمة القائمة على لينكس. حتى أندرويد وiOS، التي تعمل على الهواتف المحمولة، كل واحد منها مبني على نواة متأثرة بيونكس. ما يميز يونكس حتى اليوم هو أنه نظام مستقر وقوي وسهل في التعامل مع البيانات والشبكات. يعني، إذا كنت تعمل في مجال الخوادم أو تعمل في مجال يتضمن إدارة الشبكات، فمن المؤكد أنك ستستخدم يونكس أو لينكس.

إذا فكرت في كل أنظمة التشغيل التي نستخدمها اليوم، ستجد أن معظمها مبني على يونكس، بداية من لينكس وحتى ماك أو إس، وحتى أندرويد وiOS هي أنظمة تشغيل متأثرة بنظام يونكس. اليوم، لهذا النظام تأثير ضخم في صناعة البرمجيات، ليس فقط على مستوى الأفراد، ولكن أيضًا في المؤسسات الكبرى والأنظمة المعقدة.

تاريخ يونكس ليس فقط تاريخ نظام تشغيل، بل هو تاريخ كامل لصناعة البرمجيات الحديثة. الأشخاص الذين بدأوا العمل على يونكس في السبعينات، مثل كين تومسون ودينيس ريتشي، غيروا شكل هذه الصناعة بالكامل. وسواء كنت مبرمجًا أو مستخدمًا عاديًا، فمن المؤكد أنك متأثر بطريقة أو بأخرى بنظام يونكس.

شارك المقال

أحدث المقالات

CONNECTED
ONLINE: ...
SECURE
00:00:00